بقلم الدكتور/ مروان القطب*
يعتمد لبنان من العام ١٩٩٧ نظام تثبيت سعر صرف العملة الوطنية، الا ان هذا النظام كان موضع انتقاد من قبل بعض المحللين الاقتصاديين، على اعتبار انه يعطي الليرة اللبنانية قيمة غير حقيقية ويسبب ضررا بالغا للاقتصاد اللبناني.
وجاءت الخطة الاقتصادية للحكومة اللبنانية، التي اقرت مؤخرا، لتنتقد نظام التثبيت المعتمد وذلك لعدة اعتبارات، هي:
١- استنزاف الاحتياطي بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان.
٢-اعطاء الليرة اللبنانية قيمة تتجاوز قيمتها الحقيقية.
٣-امتلاك اللبنانيين لاكثر من عقدين من الزمن قوة شرائية مضخمة وليس فعلية.
٤-اضعاف القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني.
٥- المساهمة في الخلل الحاصل في ميزان المدفوعات.
بلا شك ان لنظام التثبيت كلفة اقتصادية وقد يسبب خسائر للاقتصاد الوطني، حيث يعتمد البنك المركزي في سبيل المحافظة على ربط العملة، على الاحتياطي بالعملات الاجنبية لديه، وهذا الاحتياطي يتكون بصورة اساسية من الودائع بالعملات الاجنبية المودعة لدى المصارف التجارية، وعند شح عرض الدولار في الاقتصاد الوطني، يضطر البنك المركزي الى استعمال هذا الاحتياطي للمحافظة على سعر العملة الوطنية.
ما يعني ان نظام التثبيت لا يجدي الا في الدول التي تتمتع بنظام عرض قوي للدولار الاميركي، كدول الخليج التي تعتمد على صادرات النفط التي توفر لها عرضا كبيرا للدولار الاميركي.
اما في لبنان فان توازن ميزان المدفوعات كان يستند الى تحويلات المغتربين التي تحقق توازنا لميزان المدفوعات. الا ان تراجع التحويلات من الخارج اعتبارا من العام ٢٠١٥ ، كان من العوامل التي سببت خللا في هذا الميزان.
وقد حاول مصرف لبنان من خلال الهندسات المالية في العام ٢٠١٧ الى جذب الودائع بالعملات الاجنبية من خارج لبنان مما اصلح موقتا العجز في ميزان المدفوعات. كما حاولت الحكومة اللبنانية في العام ٢٠١٨ من خلال مؤتمر سيدر الحصول على قروض ومساعدات من دول العالم لاصلاح العجز في ميزان المدفوعات، الا ان هذه القروض كانت مشروطة باجراء اصلاحات لم تتم لذلك لم يحصل الاقتصاد اللبناني على هذه القروض.
وفي العام ٢٠١٩ بدأت قيمة الليرة بالتدهور لان مصرف لبنان لم يعد يتدخل في سوق القطع لتثبيت العملة، وجعل تدخله قاصرا على دعم السلع الاساسية، لانه ادرك ان قدرته على التدخل باتت محدودة، ومع تراجع عرض الدولار واستمرارية الطلب عليه، بدأت قيمة الليرة بالتدهور.
هل تبنت الخطة الاقتصادية للحكومة نظام التعويم؟
الخطة الاقتصادية للحكومة لم تتبن نظام تعويم سعر الصرف، اي النظام القائم على تحديد قيمة العملة الوطنية بالاستناد الى عوامل العرض والطلب البحتة، كما انها لم تأخذ بنظام التثبيت الذي يقوم على اعتماد سعر صرف ثابت ودائم ايا كانت العوامل الاقتصادية القائمة، بل تبنت نظام التعويم الموجه او التثبيت المتحرك ، اي ان يكون السعر موجها ومتحركا وفقا للاوضاع القائمة، لذلك اعتبرت ان السعر سيكون مع بداية الخطة في حدود ٣٥٠٠ ليرة للدولار الواحد ليصل مع العام ٢٠٢٤ نحو ٤٢٩٧ ليرة.
الا ان صندوق النقد الدولي يطلب دوما من الدول التي تطلب مساعدته ان تعتمد نظام التعويم الصافي، فهل هذا النظام يتناسب مع الاوضاع الاقتصادية في لبنان؟
ان نظام التعويم البحت لا يتناسب مع الاقتصاد اللبناني لعدة اعتبارات اهمها:
١- ان صح ان نظام التثبيت يقلص القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، الا ان ذلك في ظل اقتصاد حقيقي، بحيث ان صادرات الدولة تزيد عندما تنخفض قيمة عملة الدولة، اما بالنسبة للاقتصاد اللبناني فانه يعاني من خلل في قطاعاته الاقتصادية، ومنتجاته متأثرة بسعر صرف الدولار صعودا وهبوطا، وذلك يفقده القدرة التنافسية، وببساطة اذا ارتفع سعر الدولار وهبطت قيمة الليرة فان اسعار المنتجات اللبنانية سترتفع.
٢- ان الاقتصاد اللبناني يعتمد على الواردات من السلع الاجنبية، فلا يوجد في لبنان الحد الادنى من الاكتفاء القطاعي، وارتفاع سعر الدولار الاميركي سيؤدي الى ارتفاع الاسعار وانخفاض القدرة الشرائية، بصورة تضر بمعيشة الناس واوضاعهم الاجتماعية.
٣- ان تقلب سعر صرف الدولار الاميركي سيؤدي الى عدم الاستقرار في التسعير مما يلحق ضررا بالغا بالمنشآت التجارية والصناعية.
٤-ان لبنان يعاني من عدم الاستقرار السياسي والتصارع بين مختلف القوى السياسية التي لا تتورع عن استخدام اية وسيلة لتحقيق مكاسبها، ويخشى ان تستخدم المضاربة على سعر العملة الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية، مما يجعل الاقتصاد ساحة للصراع السياسي الذي يمس بمعيشة المواطنين.
اذا كان نظام التثبيت مضرا بالاقتصاد الوطني، ونظام التعويم لا يتناسب مع الواقع الاقتصادي والسياسي في لبنان، فما هو النظام الاقل ضررا؟
ان النظام الذي ادرج في خطة الحكومة اللبنانية هو الاقل ضررا اي نظام التعويم الموجه او التثبيت المتحرك، الا ان هذا النظام يحتاج الى سياسات نقدية واضحة ودقيقة وشفافة، وان تكون العلاقة بين الحكومة والبنك المركزي وثيقة الصلة، والا توجد فجوة بين السياسات الاقتصادية الثلاث: المالية، والنقدية والاقتصادية القطاعية.
كما يقتضي العمل عند التفاوض مع صندوق النقد الدولي لاقناعه بان التعويم المطلق يضر بالاقتصاد ولا يحقق المصلحة الاقتصادية للدولة اللبنانية، ولن يحقق الغاية المرجوة من سياسة التعويم.
* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية
+ لا توجد تعليقات
أضف لك