تشهد أسواق النقد اللبنانية، النظامية منها والموازية، اختباراً جديداً في إدارة السيولة يقوم على دفقٍ استثنائي وغير محدَّد بسقوفٍ مسبقة من الدولارات النقدية (البنكنوت)، بهدف كبح التضخم الكبير في حجم الكتلة النقدية المتداولة بالعملة الوطنية الذي قارب 50 تريليون ليرة، ومن ثم الشروع بلجم المضاربات النقدية التي بلغت مستويات متطرفة ومولّدة لمَخاطر حادة مع ارتقاء سعر الدولار الأميركي إلى سقف 34 ألف ليرة.
ويتولّى البنك المركزي، بتغطيةٍ سياسيةٍ من رئاسة مجلس النواب عبر وزير المال يوسف الخليل ورئاسة الحكومة بشكلٍ مباشر من رئيسها نجيب ميقاتي، إدارة هذا التدبير عبر الجهاز المصرفي، من خلال تعميمٍ حمل الرقم 161، وقضى أولاً باستبدال عملةِ دفْع مستحقات رواتب القطاع العام والحصص الشهرية لسحوبات المودعين التي تصرفها البنوك لصالحهم من الليرة الى الدولار. ثم تم توسيع نطاقه ليشمل كامل السيولة النقدية بالليرة المتوافرة في الأسواق والمنازل ومن دون سقوف.
وتترقب الأسواق كيفية تطبيق الآليات التنفيذية لهذا التدبير اعتباراً من الاثنين، وسط ترقبات بتوسع سيطرة منصة “صيرفة ” التي يديرها البنك المركزي على أسواق المبادلات النقدية على حساب عمليات الصرافة غير النظامية التي تخضع لتوجهات صرافين كبار يتقاسمون الأنشطة في مختلف المناطق اللبنانية، ويعتمدون التسعير المشترك عبر تطبيقات الكترونية تعمل من خارج البلد وتغزو شاشات الهواتف والالواح الذكية لغالبية المقيمين في الداخل ووصولاً الى أصحاب الحسابات والمودعين في البنوك اللبنانية والمُقيمين في الخارج.
ويُظْهِرُ البنك المركزي، بحسب معلومات استقتْها “الراي” من عدة مصادر مصرفية ومتعاملين ناشطين في أسواق الصرف، توجهاتٍ جديةً وصارمةً للغاية في انسياب تطبيقات التدبير وسدّ أي ثغر تتيح تسويف مضمونه أو التحايل في “ابتكار” سقوفٍ للعمليات أو استحداث عمولاتٍ ومصاريف غير مشروعة أو مثيرة للشكوك. كما حرص على التعهد باستمراره بضخ كامل الكميات الدولارية النقدية التي تتوجب مقابل كميات نقدية بالليرة وحصراً عبر ردهات المصارف.
وبالفعل، فقد أنتج يوم العمل الأول لنفاذ التعميم قبيل عطلة نهاية الاسبوع، تحولاً نوعياً في إدارة المبادلات النقدية لصالح منصة “صيرفة”، وسط إرباكات كبيرة في صفوف الصرافين والمتعاملين في الأسواق الموازية الذين صُعقوا بالتحسن الكبير الذي حققته الليرة في غضون ساعات قليلة، ليصل سعر الدولار نزولاً الى نحو 26 الف ليرة القريب من سعر التداول على المنصة والذي بلغ نحو 24.5 ألفاً في العمليات الأخيرة.
واكد مصرفيون لـ “الراي” انهم لمسوا صرامة بالغة في مداولاتهم مع مسؤولي البنك المركزي بشأن توسع عمليات الاستبدال بالدولار النقدي لتشمل أي مبالغ نقدية بالليرة تصل الى شبابيك البنوك ومن دون اشتراط حتى وجود حسابٍ لحامل المبلغ، بحيث يمكن إجراء العملية عبر الصناديق مباشرة مع التزام تسجيل القيود والبيانات الافصاحية المعتادة. كما تم الايعاز ببذل جهود إضافية واستكمال الاجراءات التقنية واللوجستية بما يمكّن فروع المصارف من احتواء الازدحام المتوقع في أوائل الأسبوع الطالع. مع التنويه أن تسليم دفعات مسبقة من الدولارات النقدية سيكون متاحاً في حال حصول كثافة استثنائية في عمليات الطلب على المبادلات.
وكشفتْ عمليات التبادل عبر منصة البنك المركزي، ضخ ما يصل الى 41.5 مليون دولار بسعر 24.4 ألف ليرة يوم الجمعة، وهو رقم قياسي يقارب ثلاثة أضعاف حجم العمليات اليومية السابقة. ومن المرتقب انخفاض السعر التَبادُلي خلال الأسبوع المقبل تَوازياً مع التَدَحْرُجِ النزولي للدولار في الأسواق الموازية وظهور طلب مُعاكِسٍ على الليرة التي بدأت بتقليص خسائرها التي فاقت 95 بالمئة إزاء الدولار.
ورغم هذه المعطيات الموحية بتحولاتٍ إيجابية على الجبهة النقدية، تبقى موجبات التحوّط مرتفعةً في أوساط القطاع المالي بمكوناته كافة. فاستمرار تعذُّر الانعقاد الدوري لمجلس الوزراء وتوسع رقعة الخلافات الداخلية بشأن ملفات حيوية سياسية وقضائية على باب أربعة اشهر من استحقاق الانتخابات النيابية، تشكل وسواها محفزات قوية للركون الى التحفظ الشديد حيال امكان إحداث اختراقات مُجْدية في الجدار السميك الذي يحاصر البلاد من كل الجوانب.
المصدر: الراي الكويتية
+ لا توجد تعليقات
أضف لك