إعداد | المستشار د. عبد القادر ورسمه غالب* :
شركات المساهمة العامة تلعب دورا رئيسيا في دعم الاقتصاد وقطاع الأعمال، وذلك نظرا للدور الكبير الذي تقوم به هذه الشركات في شتى المجالات والخدمات. ومن دون شك، فان وجود “مجلس ادارة” مقتدر سيكون له أثر مباشر في قيادة الشركة نحو النجاح وتحقيق الأرباح والسمعة الممتازة. ولا ننسى دور المساهمون المكمل لدور مجلس الادارة في قيادة دفة الشركة لتحقيق الأهداف المرجوة التي تم تأسيس الشركة من أجلها. ووفق قانون الشركات التجارية هناك أدوار يجب أن يقوم بها كل مساهم في الشركة عبر اجتماعاتهم المنصوص عليها في القانون. واختصاصات الجمعية العمومية العادية لشركات المساهمة العامة عديدة ومتعددة وتشمل، بصفة خاصة، اجازة التقرير السنوي الذي يقدمه رئيس مجلس ادارة الشركة واجازة تقرير الحسابات الختامية الذي يقدمه مدقق الحسابات الخارجي وكذلك النظر في أمور أخري محددة مسبقا في أجندة الاجتماع المرسلة مع الدعوة للمساهمين. ومن ضمن هذه الأمور الأخرى الموافقة على براءة أعضاء مجلس الادارة من المسؤولية. وبصفة عامة نقول، ان كل القرارات التي يصدرها هذا الاجتماع الهام تهم الشركة وكل مساهم في الشركة ولكن لقرار براءة ذمة أعضاء مجلس الادارة من المسؤولية وقعا خاصا ونغما موسيقيا مميزا تطرب له دوما آذان رئيس وأعضاء مجلس ادارة الشركة ومن خلفهم بالطبع الادارة التنفيذية للشركة.
وفق ما ورد في قانون الشركات التجارية فان المشرع هدف من تحديد هذه الاختصاصات المعينة، وبقصد تام، منح ملاك المال وكل مساهم في الشركة الحق في تقييم كل ما قام به مجلس الادارة بصفته رأس الرمح والمفوض من قبلهم ليكون العقل المدبر لإدارة الشركة، وذلك بالاطلاع على انجازات المجلس خلال العام المنصرم تنفيذا للمسؤوليات الملقاة علي عاتقهم. ومن ثم، النظر في مدى قبولهم لما قام به مجلس الادارة أو عدم القبول وذلك بعد النقاش الصريح بقيادة رئيس المجلس وأعضاء مجلس الادارة وفي حضور الادارة التنفيذية العليا للشركة ومستشاريها ومدقق الحسابات الخارجي وممثلي الجهات الحكومية الرقابية المختصة. وهذا يوم الحساب وكشف كل المستور ويوم تتحدث الأعمال عن نفسها بدون حسيب أو رقيب، ويا لسعادة أعضاء مجلس الادارة عند اصدار الموافقة علي ما قاموا به تنفيذا لمسؤولياتهم واعتماد التقرير السنوي والحسابات المدققة النهائية، ومباركة الأعمال والأفكار الاستراتيجية والمشروعات التي قامت الشركة بتنفيذها تحت اشراف مجلس الادارة ومتابعته الحريصة الحذرة… وكرد جميل لهذه الأعمال وحسن انجازها وبما تم تحقيقه من الفوائد للشركة والملاك وأصحاب المصلحة، يقوم المساهمون باعتماد بند الأجندة الخاص بإبراء ذمة أعضاء مجلس الادارة من المسؤولية. وفي هذا القرار، قمة التتويج والعرفان والتقدير لما قاموا به خلال العام ويمتد هذا ليشمل الادارة التنفيذية للشركة وكل طاقم العمل من القمة للقاع. والجميع نجح بامتياز وكفاءة في امتحان آخر العام وعقبال الأعوام القادمة. وهنا، وأثناء المناقشات والحوار، نطلب من جميع المساهمين الارتفاع لمستوى المسؤولية والاهتمام بالأمور ذات النفع لهم وللشركة مع عدم اثارة المواضيع عديمة الفائدة وعدم شخصنة الأمور والنظر لما فيه الفائدة العامة للجميع وفق المعطيات المتوفرة. وفي نظري، فان حكمة رئيس مجلس الادارة تلعب دورا كبيرا في ادارة النقاش بصورة علمية ذات نتائج مفيدة.
ان ابراء ذمة أعضاء مجلس الادارة من المسؤولية يعني عدم جواز مسائلتهم أو قفل طريق مسائلتهم، من كافة النواحي القانونية سواء المدنية أو الجنائية، بسبب ما قاموا به من أعمال خلال العام المعني. واصدار هذا القرار الهام، وبصفة عامة، يشكل حصانة قانونية واجتماعية لمجلس ادارة الشركة. ولهذا فمن واجب المساهمون، التريث والتمهل في اصدار قرار ابراء ذمة أعضاء مجلس الادارة من المسؤولية، خاصة اذا كان لديهم اعتراضات جوهرية أو تحفظات قائمة أو رأي محدد عن أي تجاوزات في الأعمال أو في دور مجلس الادارة أو أي من أعضاء المجلس. لأن القرار المناسب، بل الأنسب ايجابا أو سلبا، يجب أن يتخذ في هذا الوقت ولا يمكن ارجاع التاريخ اذا ذهب اليوم سدى. ومسؤوليات مجلس ادارة الشركة تنبع بصفة خاصة من قانون الشركات والنظام الأساسي للشركة ولوائحها الداخلية بما في ذلك لائحة حوكمة الشركات، هذا اضافة للمسؤوليات القانونية العامة الأخرى التي تشملها كل القوانين السارية والأنظمة ذات العلاقة، بما في ذلك التقيد بالأعراف والتقاليد المهنية والممارسات الادارية السليمة وفق المعايير المتبعة في كل حالة على حدة حسب نشاط الشركة وأهدافها.
ومن هذا نقول، بأن الاهمال المتعمد في تنفيذ المسؤوليات والفشل لأي سبب في تحملها والمسؤولية التقصيرية في اداء الواجب المفروض وفق التعليمات والمعايير المتبعة… كل هذا يمنح المساهمون الحق في عدم ابراء الذمة، ويعرض مجلس الادارة للمسائلة المدنية والمطالبة بالتعويض عن كل الخسائر وما فات من تحقيق أرباح متوقعة. كذلك فان ارتكاب أي جريمة كالسرقة وخيانة الأمانة والرشوة والاختلاس والتزوير والابتزاز وغيره … سواء بالفعل المباشر أو بالمشاركة، يمنح المساهمون الحق في عدم ابراء الذمة، ويعرض أعضاء مجلس الادارة للمسائلة الجنائية وتحمل العقوبات الجزائية الناتجة عن ارتكاب هذه المخالفات والأفعال الجنائية. وكذلك أيضا فان تجاوز حدود الاختصاصات والخروج عن خط السير ومخالفة الأعراف والأطر والممارسات المهنية ذات العلاقة وعدم الالتزام بتطبيق المعايير المهنية السليمة يعرض مجلس ادارة الشركة للمسائلة المهنية والادارية من المساهمين وغيرهم من أصحاب المصلحة. وكما نعلم، هناك ملاحقات قضائية وقضايا كبيرة في هذا الشأن في العديد من الدول، وتم الزج في السجون لمن ثبت اجرامهم، وبالعكس هناك من نال الثناء والعرفان والتقدير. وهنا المسؤولية والمسائلة.
كل هذه النقاط المذكورة، دون حصر، تقع داخل الاختصاصات العامة المندرجة ضمن مسؤولية أعضاء مجلس الادارة وعليهم الالتزام التام والدائم بتنفيذها وفق الدرجة والمعايير المطلوبة منهم من كافة النواحي، بما في ذلك القانونية والادارية، وبما يحقق تطلعات كل من له علاقة بتنفيذ هذه المسؤوليات والتطلع لتحقق تنفيذها دون تجاوز أو اخفاق. ولهذا فهي مسؤولية جسيمة، لو يعلمون، وكثير من العقلاء، اذا جاز لنا القول، يمتنعون عن حملها ويا سبحان الله حملها غيرهم ومن تحمل عبء الرسالة عليه تنفيذها بكل أمانة وتجرد.
ولأهمية الأمر وحساسيته، قام المشرع بوضع هذا الأمر في يد كل المساهمين عبر اجتماعهم العمومي العادي، الذي يعقد خصيصا في آخر العام للنظر في مجمل ما تم من أعمال، واذا تبين للمساهمين أن مجلس الادارة بذل الحرص والالتزام في تحمل المسؤولية وقام بتنفيذها دون تقصير وبجهد وفق المقتضى المطلوب مع ضرورة توفر حسن النية لتحقيق الأهداف، فان عليهم ابراء ذمة أعضاء مجلس الادارة في هذا الاجتماع حتي و لو حدث اخفاق في أي مشروع أو لم يتم تحقيق أي أرباح لأن هذا قد يكون لأمور خارجة عن ارادة المجلس، وليس كل ما يتمناه الانسان يجده خاصة الأرباح وتوابعها مع السوق المتقلب دوما.
ولا بد من القول، أن المسؤولية الملقاة هنا علي عاتق المساهمين أيضا كبيرة وعليهم الحرص علي تحمل تنفيذها علي الوجه المطلوب، وكل هذا لضمان استمرار الشركة وفق الأطر القانونية المؤسسية السليمة. ونلاحظ التباين في أداء المساهمون لهذا الدور، حيث نجد أن بعض مجالس الادارات في فسحة تامة وكل الأمور بيدهم بينما غيرهم تعرض لمواقف صعبة جدا ولمتابعات قضائية شرسة خاصة تلك التي لم تقم بتحمل مسؤولياتها. والأمثلة الحية لكلا النوعين كثيرة ولا تحصى، وعلى الجميع سواء من المساهمين أو مجالس الادارات الاستفادة من مختلف التجارب الايجابية أو السلبية لأن الهدف المرجو من هذا الوضع هو الارتقاء بالمسؤولية المؤسسية في كافة الشركات لتحقيق الفائدة للجميع. وهناك سائل وهناك مسؤول والكل في نفس “المركب” واذا حدث عطب أو اخلال فالجميع سيغرق ولا ينجو أحد، والعكس صحيح…
ما ذكرناه أعلاه، ينطبق بصفة خاصة على شركات المساهمة العامة. ولكن مبدأ واطار تحمل المسؤولية ينطبق على جميع أنواع الشركات المنصوص عليها في قانون الشركات التجارية. وعليه، فان كل من يتحمل مسؤولية الادارة في الشركة، اي شركة كانت، عليه الاستعداد التام لتحمل كل التبعات التي قد تنجم بالخير أو بالشر. لأن كل من يتحمل المسؤولية ينطيق عليه ما ورد في سورة الزلزلة “من يعمل مثقال ذرة خيرا يرى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يرى”، وهذه القاعددة، بالطبع، من القواعد التي تمثل أصلا من أصول العدل وتضع الميزان الحق للجزاء والحساب. ومن لا يستطيع تحمل هذا الميزان عليه عدم اقحام نفسه وترك الأمر لغيره. وبهذا البنيان العادل السليم تتطور الشركات وكل العمل المؤسسي لصالح الشركة وملاكها وكل المجتمع. وكل من يكون في موضع المسؤولية عليه أن يكون قدوة تضيء الطريق للجميع وسينال الثناء والعرفان ممن خدمهم وسهر ورعى مصالحهم.
* بروفيسور القانون الجامعة الامريكية – البحرين | المؤسس والمدير التنفيذي ع | د. عبد القادر ورسمه للاستشارات ذ.م.م البحرين \ دبي
+ لا توجد تعليقات
أضف لك