إعداد | القاضي الدكتور حاتم ماضي | مدعي عام التمييز سابقاً:
علامتان هامتان طبعتا القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بدعوى حكومة جنوب افريقيا ضد اسرائيل.
العلامة الأولى هي ان هذا القرار اشار وللمرة الأولى الى ما يسمى «ارهاب الدولة» او» ارهاب المؤسسات»، أي الإرهاب الذي تقوم به الدولة ضد شعبها أو شعوب اخرى او اهداف اجنبية. وهذا ما يميزه عن الإرهاب المعروف اليوم أي ارهاب الأفراد او المنظمات الإرهابية.
قبل صدور قرار محكمة العدل الدولية لم يكن المجتمع الدولي قد وضع تعريفا لإرهاب الدولة، وبصدور هذا القرار يكون الضوء قد جرى تسليطه على ارهاب الدولة ووضعه تحت قبضة العدالة الدولية بعد ان كان من صلاحية المحاكم الوطنية.
منظمة العفو الدولية حددت أشكال ارهاب الدولة: الإحتجاز التعسفي، المحاكمات غير العادلة، التعذيب، القتل السياسي او الإعدام خارج القضاء.
أما الموسوعة البريطانية فقد عرفت الإرهاب عموما على انه الإستخدام المنظم للعنف لخلق مناخ عام من الخوف لعدد من السكان لتحقيق هدف سياسي معين قد يؤدي الى الوفاة او الإصابات الخطيرة.
اما العلامة الثانية فهي ان القرار وضع الشعب الفلسطيني في غزة تحت حماية اتفاقية 1948 (19 مادة) الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية.
لكن الأهم في هذه العلامة هو ادانة اسرائيل واتهامها بأنها ترتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق شعب فلسطين في غزة وتدعوها الى منع قواتها من ارتكاب هذه الجريمة.
الإبادة الجماعية هي قتل متعمَّد لمجموعة من الأشخاص وما يرافقه من فظاعات ترتكب اثناء العمليات العسكرية لأسباب عرقية او دينية على ما جاء في المادة الثانية من اتفاقية 1948.
ان جريمة الإبادة الجماعية Genocide وهي جريمة ضد الإنسانية مؤلفة من كلمتين: كلمة اغريقية Genos وتعني الجنس العرق او الأصل. والكلمة الثانية Cide اي القتل والقمع والإبادة. من جمع هاتين الكلمتين ظهرت عبارة الإبادة العرقية او التطهير العرقي.
لقد ظهر مصطلح الإبادة الجماعية في عام 1944 وقد صاغه المحامي البولندي رافايل ليمكن.
وفي العام 1948 اعتمدت الأمم المتحدة هذا المصطلح وذلك من خلال اتفاقية سميت «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» والتي اعتبرتها المادة الأولى من الإتفاقية من جرائم القانون الدولي التي قد ترتكب في السلم او في الحرب.
تعتبر هذه الإتفاقية اول معاهدة لحقوق الإنسان تعتمدها الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتضمن اول تعريف قانوني دولي لمصطلح الإبادة الجماعية. والتي لا تعتبر الإبادة جريمة سياسية وتعتبر ايضا ان من واجب الدول الأطراف منع الجريمة والمعاقبة عليها.
بموجب المادة التاسعة من الإتفاقية تعرض على محكمة العدل الدولية النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير او تطبيق او تنفيذ هذه الإتفاقية بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن اي ابادة جماعية. ولهذا السبب حفظت محكمة العدل الدولية صلاحيتها للنظر بالدعوى المقامة من جنوب افريقيا.
اضافة الى الإبادة الجماعية بدأ يبرز الى العلن نشاط مجرم ينتهك مبادىء العدالة البيئية مثل التسبب بتدمير النظم البيئية والحاق الضرر بصحة وسلامة الأنواع بما في ذلك البشر. وهذا ما اصطلح على تسميتة بـ«الإبادة البيئية». لكن الأمم المتحدة لم تقبل حتى اليوم هذه الجريمة كجريمة دولية،ويلاحظ ان القرار اشار بصورة غير مباشرة الى هذه الجريمة من خلال دعوة اسرائيل الى السماح بدخول مساعدات انسانية وتمكين السكان من الوصول الى الطعام.
لذلك ينبغي اعتبار قرار محكمة العدل الدولية قرارا تاريخيا لأنه القرار الأول من نوعه الذي يصدر بمواضيع ذات صلة بالإبادة الجماعية وارهاب الدولة. ولكن ما يؤسف له حقا ان هذا القرار على اهميته لم يلقَ الإهتمام الذي يستحقه.
المصدر: اللواء
+ لا توجد تعليقات
أضف لك