ضرورة اعادة النظر في التشريعات المصرفية

1 مدة القراءة

أعداد/ الدكتور مروان القطب*:

ما يلفت الانتباه انه في كل ازمة اقتصادية يكون القطاع المصرفي محور الازمة، خصوصا مع اقتصاد معاصر فيه ترابط شديد بين مختلف القطاعات المالية والنقدية والمصرفية، وهذا هو حالنا في لبنان في ظل الازمة الراهنة.

ان الواقع المصرفي المتأزم يدفعنا الى تحليل نصوص التشريع اللبناني المنظمة للمصارف لنقف على مدى قدرة هذه القواعد على ضبط ايقاع العمل المصرفي، وحماية حقوق المودعين.

ان المصرف التجاري، وفقا للمادة 121 من قانون النقد والتسليف هو المؤسسة التي موضوعها الاساسي، أن تستعمل لحسابها الخاص الاموال التي تتلقاها من الجمهور في عمليات التسليف.

اي ان المصرف يتلقى من الجمهور الودائع ويعمد الى استعمالها في منح القروض. وتنص المادة 123  من قانون النقد والتسليف على ان تخضع الودائع لاحكام المادة 307 من قانون التجارة.

وهذه المادة تنص على ان المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغا من النقود يصبح مالكا له، ويجب عليه ان يرده بقيمة تعادله دفعة واحدة او على عدة دفعات عند اول طلب من المودع ،او بحسب شروط المهل او الاعلان المسبق المعينة في العقد.

اذا المصرف التجاري يتلقى الودائع، وتصبح ملكا له، ويقوم باستعمالها، وفي نفس الوقت يحق للمودع استرداد وديعته متى طلب ذلك، مع مراعاة فترات تجميد الودائع بالاتفاق مع المصرف.

ولضمان رد الودائع، اعطت المادة 76 من قانون النقد والتسليف المصرف المركزي صلاحيات بالزام المصارف التجارية بأن تودع لديه أموالا، تعد احتياطا الزاميا، شريطة الا يتجاوز أكثر من 25 بالمئة من الالتزامات تحت الطلب و15 بالمئة من الالتزامات لاجل معين.

وبالتالي فان الودائع التي تتجاوز هذه النسب يستطيع المصرف استعمالها سواء بالاقراض او الاستثمار في الاوراق المالية او الايداع لدى البنك المركزي لقاء فوائد، ما يعني ان البنك يستعمل الودائع لتحقيق العوائد، وليست كلها حاضرة في الحال لردها الى المودعين.

ان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تكفي هذه الاحتياطيات لمواجهة طلبات سحب الودائع؟
يمكننا الاجابة بان العلم المصرفي دل على ان السيولة النقدية الحاضرة، ورأسمال البنك، والاحتياطيات تضمن رد الودائع عند حلول الاجال المتفق عليها.

ولكن هذه الضمانات تحقق غايتها في الظروف العادية، اما في الظروف الاستثنائية فان التجارب المالية ورصد الازمات الاقتصادية، دلت على ان القطاع المصرفي هو اول المتأثرين، ما يعني ان آلية عمل المصارف والضمانات الموضوعة واقعا وقانونا لم تعد كافية.

عدا عن ان معظم المصارف في العالم والقطاع المصرفي اللبناني قد افرط في استثماراته في الاوراق المالية وخصوصا السندات الحكومية طمعا في الحصول على العائد الكبير، وعطل الدور الاساسي للمصارف التجارية كممول للاقتصاد وللمشاريع الاستثمارية.

اما ما تقوم به المصارف اللبنانية في ظل الازمة الراهنة من منع التحويلات الى الخارج حتى ولو كانت لغايات تجارية، يتعارض مع طبيعة الاقتصاد اللبناني القائم على حرية حركة رؤوس الاموال، كما انه لا يوجد نص قانوني يسمح بوضع هذه القيود.

وتبرر المصارف لجوءها الى هذه القيود بانها تسعى الى الحد من خروج رؤوس الاموال بالعملة الاجنبية من الاقتصاد اللبناني، وتعتبر ان هذا الامر قد يؤدي الى نفاذ احتياطي العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان، وبالتالي يؤثر سلبا على قيمة العملة الوطنية.

الا ان الواقع الحالي اظهر ان قيمة العملة الوطنية تنهار تدريجيا دون رادع، كما ان منع التحويلات المصرفية الى الخارج تسبب مشكلة اقتصادية كبرى على مستوى الانتاج والاستهلاك وما يستتبع ذلك من بطالة وشلل على مستوى الاقتصاد الوطني.

ما يعني ان المصارف التجارية لم ترجح الا مصالحها على حساب كل القطاعات الاقتصادية، في حين انه بالامكان الوصول الى حلول وسط تخفف من عمق الازمة المتوغلة.

وفيما خص الاقتطاع من الودائع او ما يسمى ” haircut “، فانه يتعارض بشكل واضح مع المادة 307 من قانون التجارة، كما يتعارض مع مقدمة الدستور اللبناني التي اسست النظام الاقتصادي الحر، وقيام المصارف بهذا الاجراء سيفتح عليهم باب اللجوء الى القضاء ولن تكون المصارف رابحة في هذه الدعاوى، كما ان اجازة الاقتطاع بموجب قانون لن تمر دون الطعن امام المجلس الدستوري بداعي عدم الدستورية.

في الختام، ان واقع الازمة الحالية يدفعنا الى القول بضرورة العمل على وضع تشريعات جديدة ضابطة لعمل المصارف التجارية في لبنان، بحيث تضع اطارا دقيقا لرقابة مصرف لبنان، وتضبط العمل المصرفي وتوجهه الى القيام بدوره الاساسي في تمويل الاقتصاد الوطني.

* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية

ElQarar http://www.elqarar.com

مجلة القرار® للبحوث العلمية المحكّمة
ElQarar® Journal for Refereed Scientific Research

المزيد للمؤلف

ربما يعجبك أيضاً

+ لا توجد تعليقات

أضف لك