إعداد | الأستاذ الدكتور برهان الدين الخطيب*:
مقدمة
نهدف من دراسة موضوع السياسات العامة اكتساب معرفة أوسع حول مصدرها وعملياتها ومدى أهميتها للمجتمع، وهذه المعلومات تزيد من فهمنا للنظام السياسي والدستوري والإداري والمجتمع بصورة عامة… فحين نتعامل مع السياسات العامة بوصفها متغيراً مستقلاً فإن التركيز يتحول نحو تأثير السياسات العامة على النظام السياسي والدستوري والإداري، وبالتالي يطرح السؤال هنا حول الطرق والآليات التي تدعم من خلالها السياسات العامة النظام السياسي والإدارية والخيارات المستقبلية التي يتطلع إليها؟([1]).
إن هذا السؤال يقودنا بداية إلى تناول تعريف السياسات العامة، وخاصة أنه لا يوجد تعريف ثابت لها وهناك عدة تعاريف، فتعبير السياسة العامة يتمحور حول الطريقة المتفق عليها والتي تعتمدها الحكومة بمختلف قطاعاتها للقيام بواجباتها. فالسياسة العامة هي عند البعض ”برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي وجماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع“([2]).
تحتوي السياسة العامة على ”خيارات الحكومة من النشاطات التي تخدم المصلحة العامة. وهي أيضاً العلاقة بين أجهزة الحكومة والبيئة التي تعمل في إطارها، أو أنها أي عمل تختار الحكومة تنفيذه أو عدم تنفيذه“([3]).
وبعض السياسات العامة هي عبارة عن قوانين صادرة من الأجهزة التشريعية (البرلمان) والبعض الآخر هو جزء من الأنظمة والأحكام التي تضعها الأجهزة التنفيذية الحكومية، وتلك الأجهزة هي المسؤولة عن تنفيذ ودعم القوانين، وبعضها الآخر قوانين دولية تلتزم بها الدولة.
وهناك مقاربات أخرى لتحديد مفهوم السياسات العامة عبر عنها كل من «Yves Mény» و«Jean-Claude Thœnig»، وهي تنطلق من اعتبار ”السياسة العامة تقدم في إطار أو شكل برنامج عمل حكومي، في قطاع معين من المجتمع أو من خلال منطقة جغرافية“.
«Une politique publique se présente sous la forme d’un programme d’action gouvernementale dans un secteur de la société ou un espace géographique» ([4]).
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن السياسات العامة هي أيضاً الخطط والبرنامج والأهداف العامة، التي يظهر من خلالها اتجاه عمل الحكومة خلال الفترة الزمنية المستقبلية…([5]).
وتطرح هذه الدراسة اشكالية مدى تامين متطلبات وضع سياسات عامة تلبي حاجات المواطنين وقابلة للتنفيذ، وبالتالي لا يصبح مصيرها مصير الدراسات السابقة في الادراج ويعلوها الغبار ويهدر فيها ملايين الدولارات.
ولأجل ذلك اعتمدنا المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يدرس العديد من الظواهر الاجتماعية والقانونية والإدارية وغيرها، مثل الأبحاث والدارسات المتعلقة بعلاقة السياسة والإدارة بالحياة الاجتماعية، والدارسات الخاصة بإصلاح واعداد السياسات التشريعية والقضائية والإدارية والقطاعية([6]). بالإضافة إلى المنهج الاستدلالي والذي يعتبر ”البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها (بديهية)، ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، وهذا السير يكون بواسطة القول أو الحساب“([7]). وأخيراً المنهج الاستنباطي لاستخراج الحلول الذي يحقق الأهداف ضمن الأسس والخطوات المحددة القابلة للتنفيذ والقياس.
وانطلاقاً من هذا التحديد العام لمفهوم السياسات العامة نلاحظ بأن للنظام السياسي دور أساسي في رسم السياسات العامة، من هنا فإننا سنتناول في هذه الدراسة الأطر التي ترسم السياسات العامة والآلية التي ترسم وتنفذ من خلالها في لبنان.
القسم الأول
النظام السياسي والسياسات العامة في لبنان
ينظم دستور الجمهورية اللبنانية الصادر في 23 أيار 1926 وتعديلاته([8]) آخرها التعديل الدستوري العام 1990 وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني([9])، النظام السياسي للدولة اللبنانية، ويحدد سلطاتها العامة واختصاصاتها، مرسياً بذلك دعائم النظام البرلماني التوافقي([10]) ومؤكداً على سيادة القانون واستقلال القضاء كأساس للحكم، والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وفي هذا القسم سنركز على دور السلطات الدستورية اللبنانية في وضع السياسات العامة. إذ أن النظام السياسي اللبناني يلعب دوراً أساسياً في رسم مهام الدولة وسياساتها من خلال سلطاته الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإذا كان دور السلطة التشريعية ينحصر في رسم ومراقبة تنفيذ السياسات العامة، فإن دور السلطتين التنفيذية والقضائية يمتد ليشمل رسم السياسات العامة وتنفيذها ومراقبتها. فمجلس الوزراء هو المكان الرئيسي لرسم السياسات العامة والجهاز الإداري التابع تسلسلياً لهذا المجلس (من خلال كل وزير) ينفذ هذه السياسات والهيئات الرقابية تراقب تنفيذها. أما السلطة القضائية فان دورها يشمل رسم السياسات العامة من خلال أبداء الرأي في القوانين والانظمة، وتنفذ سياسات الدولة من خلال المحاكم التي تطبق القوانين والانظمة وتراقب تنفيذها.
وتناولنا لهذه السلطات الدستورية اللبنانية الرسمية لا يعني أنها الوحيدة التي تساهم في صنع السياسات العامة بل هنالك دور وتأثير فاعل للمؤسسات غير الرسمية في رسم السياسات العامة من خلال الاحزاب السياسية وجماعات الضغط والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية والاجتماعية… من هذا المنطلق سينحصر حديثنا في هذا القسم على تناول سلطات الدولة اللبنانية الدستورية الثلاث: التشريعية والتنفيذية (الإجرائية) والقضائية، وذلك في ثلاث فقرات.
البند الأول: السلطة التشريعية
أسندت المادة السادسة عشر من الدستور اللبناني إلى مجلس النواب مهمة ممارسة السلطة التشريعية، حيث نصت على أن ”تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب“.
ومنذ أن صدر الدستور اللبناني في 23 نيسان 1926 وهو يأخذ بنظام الفصل بين السلطات، مفرداً الفصل الثاني من الباب الثاني والجزء الثالث من الباب الرابع لتنظيم هيكل وصلاحيات واختصاصات السلطة التشريعية، وعلاقاتها بالسلطة التنفيذية.
وتعتبر السلطة التشريعية في لبنان الهيئة الأساسية التي ترسم فيها السياسات العامة للدولة اللبنانية، ولتبيان دور وتأثير السلطة التشريعية في عملية رسم السياسات العامة يقتضي دراسة بنية وآلية عمل الجهاز التشريعي الذي يملك سلطة إصدار التشريعات والقوانين ومراقبة تنفيذها.
وأقر مجلس النواب اللبناني في 21 أب 1990 تعديلات دستورية جديدة بناءً على وثيقة الوفاق الوطني، والتي اعتبرها بعض من المحللين إعلاناً عن إنشاء الجمهورية اللبنانية الثالثة. وقد حققت هذه التعديلات المساواة في التمثيل البرلماني بين المسلمين والمسيحيين، كما وسعت من سلطات واختصاصات البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية، واختيار رئيس الوزراء، ورسم السياسات العامة للدولة اللبنانية مما أدى، حسب الدكتور زهير شكر، ”إلى اختلال التوازن لمصلحة البرلمان… وقرب النظام السياسي اللبناني من «النظام المجلسي» “([11])، وأصبح نقطة الارتكاز في رسم السياسات العامة.
ويعمل مجلس النواب اللبناني على تحضير السياسات العامة من خلال جهازين قبل إقرارها في الهيئة العامة، هما: هيئة مكتب المجلس، اللجان النيابية.
أولاً- هيئة مكتب المجلس:
تتألف هيئة مكتب المجلس من رئيس ونائب رئيس واميني سر وثلاثة مفوضين (المادة 1) ([12])، وهي تتولى الصلاحيات التالية (المادة 8 – نظام داخلي):
- درس الاعتراضات التي تقدم في شأن محاضر الجلسات وخلاصاتها، وإدارة الجلسات والتصويت، وإعلان نتيجة الاقتراع والفصل بها.
- تقرير جدول الأعمال لكل جلسة من جلسات المجلس.
- نشر جدول الأعمال المقرر في بهو المجلس وتبليغه إلى النواب مع نسخة عن المشاريع والاقتراحات والتقارير موضوع جدول
- الأعمال قبل انعقاد الجلسة بأربع وعشرين ساعة على الأقل.
- تنظيم موازنة المجلس السنوية والإشراف على تنفيذها.
- أما حوالات الصرف والتصفية وسائر عقود النفقات فيوقعها الرئيس أو نائبه مع أحد أميني السر وأحد المفوضين، على أن تطبق
- بشأنها أحكام قانون المحاسبة العمومية.
- تقرير وتعديل ملاكات وأنظمة موظفي المجلس المدنيين والعسكريين على أن يطبق على موظفي مجلس النواب المدنيين أحكام
- أنظمة موظفي الإدارات العامة، وعلى العسكريين أحكام الأنظمة العسكرية، ويتم تعيين الموظفين بقرار من رئيس المجلس.
- درس العرائض والشكاوى.
ثانياً- اللجان النيابية:
تلعب اللجان النيابية دوراً أساسياً في عملية رسم السياسات العامة داخل الدولة اللبنانية، فهي تستمد دورها وأختصاصها من الفصل السابع من النظام الداخلي الذي ينص في مادته 26 على مايلي: ”فور وصول المشاريع والإقتراحات وسائر القضايا التي يجب درسها في اللجان إلى قلم المجلس يحيلها الرئيس إلى اللجان بحسب اختصاصها إلا إذا كان النظام ينص على عرضها على المجلس أولاً“.
إن للجان دوراً اساسياً في التشريع ورسم السياسات العامة لأنها تشكل الحلقة الأبرز في عملية دراسة وإقرار المشاريع والإقتراحات خصوصاً أن لدى اللجان متسعاً من الوقت لدارسة هذه المشاريع والاقتراحات ومطلق الصلاحية في ردها كلياً أو الموافقة عليهما وطلب كافة المعلومات والتقارير من الوزراء واصحاب الاختصاص. وهي بالتالي مطبخ تحديد السياسات العامة ومتابعة تطويرها.
وقد راعى النظام الداخلي في عدد اللجان([13]) أهمية الوزارات، فأفرد للوزارات الحساسة والهامة لجاناً متخصصة بشؤونها (المالية، الإدارة والعدل، الخارجية، التربية، الدفاع الوطني وغيرها). وجميع المهام المتقاربة في لجنة واحدة([14]).
ثالثاً- صلاحيات مجلس النواب:
لمجلس النواب موقع مميز في النظام السياسي اللبناني وفي رسم السياسات العامة للدولة اللبنانية ومراقبتها، فهو مصدر السلطات كونه يستمد سلطته مباشرة من الشعب بواسطة الانتخاب، وهو يمارس صلاحيات دستورية واسعة لا تختلف عن الصلاحيات العامة التي تمارسها كافة المجالس النيابية في مختلف دول العالم، وهي الصلاحيات التشريعية، والمالية، والرقابية، والانتخابية، والتأسيسية([15]) بالاضافة إلى كون المجلس يضم ممثلي جميع الطوائف وهو ملتقى التيارات الحزبية والعقائدية على أنواعها.
وتشكل الصلاحية التشريعية إلى جانب الصلاحية المالية العمود الفقري لدور البرلمان التشريعي في رسم السياسات العامة التي تتجسد في أربعة مجالات نظمها كل من الدستور اللبناني والانظمة الداخلية لمجلس النواب.
أ- الصلاحية التشريعية:
حددت المادة 18 من الدستور اللبناني دور السلطة التشريعية في رسم السياسات العامة في الدولة اللبنانية، حيث نصت على حق المجلس – ومجلس الوزراء – في اقتراح القوانين، ولا ينشر قانون ما لم يقره المجلس.
- اقتراح القوانين:
نصت أنظمة المجلس النيابي الداخلية على أن تقدم اقتراحات القوانين([16]) من الأعضاء إلى رئيس المجلس، وجاء في نص المادة 101 من النظام الداخلي على ان: “تقدم إقتراحات القوانين إلى المجلس بواسطة رئيسه مرفقة بمذكرة تتضمن الأسباب الموجبة. لا يجوز أن يوقع إقتراح القانون أكثر من عشرة نواب”.
- المناقشة والتصويت:
يقوم رئيس المجلس بإعلام المجلس بالاقتراحات والمشروعات الواردة من الأعضاء ومن الحكومة، ثم يقوم بإحالة اقتراح أو مشروع القانون إلى اللجنة أو اللجان المختصة فور تقديمه (المواد من 26 إلى 102).
وتقوم اللجنة المختصة بدراسة الاقتراحات والمشروعات المحالة إليها مادة مادة، وتعد تقريراً يحوي أراء أعضائها بشأن مشروع القانون أو الاقتراح المحال إليها في مدة أقصاها شهر من تاريخ إحالته إليها (المواد 38، 41)، ثم تعيده إلى المجلس لمناقشته مناقشة عامة، حيث يتلى أولاً المشروع موضوع المناقشة، فتقرير اللجنة المختصة والتعديلات التي اقترحتها، ثم يعطى الكلام للنواب (المادة 56 من اللائحة)، ثم تتم مناقشته مادة مادة ويجب الحصول على الأغلبية المطلقة من نصاب الجلسة لإقرار مشروع أو اقتراح القانون.
- استرداد مشروعات واقتراحات القوانين:
نصت المادة 103 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه لا يجوز استرداد مشروعات القوانين المقدمة بمرسوم من الحكومة قبل التصويت عليها نهائياً إلا بموجب مرسوم آخر، أما اقتراحات القوانين المقدمة من الأعضاء، فإن من حق العضو التقدم بطلب خطي إلى رئيس المجلس لاسترداد الاقتراح المقدم منه، ولرئيس المجلس أن يجيبه إلى ما طلب، ما لم يكن المجلس قد شرع في مناقشة هذا الاقتراح (المادة 4) ([17]).
- نشر القوانين:
حدد الدستور اللبناني مهلة بين إقرار القانون وإصداره وطلب نشره، حيث نصت المادة 56 على ما يلي: “يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمّت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد احالتها الى الحكومة ويطلب نشرها. أما القوانين التي يتخذ المجلس قرارا بوجوب استعجال إصدارها، فيجب عليه ان يصدرها في خلال خمسة أيام ويطلب نشرها.
وهو يصدر المراسيم ويطلب نشرها، وله حق الطلب الى مجلس الوزراء اعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخ ايداعه رئاسة الجمهورية. واذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ او انقضت المهلة دون اصدار المرسوم او اعادته يعتبر القرار او المرسوم نافذا حكما ووجب نشره”.
ب- الصلاحية المالية:
للشأن المالي أهمية كبيرة في حياة الشعوب، وتنبع هذه الأهمية في انها تنظم مالية الدولة على أسس قانونية سليمة وتحدد سياسة الحكومة المالية للفترة المقبلة.
ولا يميز الدستور اللبناني بين الصلاحية التشريعية والصلاحية المالية إلا من خلال تقييد النواب ومنعهم من زيادة الاعتمادات المالية خلال المناقشة بالموازنة وبمشاريع الإعتمادات الإضافية وحق السلطة التنفيذية بوضع موازنة الدولة موضع التنفيذ بمرسوم أستناداً إلى المادة (86).
ومن هذا المنطلق نلاحظ أن الموازنة تستند أساساً إلى الصيغة القانونية باعتبارها صكاً تشريعياً ترسم سياسة الحكومة للسنة المقبلة من خلال تقدير نفقات وواردات الدولة واجازة الجباية والإنفاق على المشاريع التي تود تنفيذها الحكومة خلال السنة المقبلة. فيقترع المجلس النيابي على الموازنة بنداً بنداً (المادة 83 من الدستور).
ج- الصلاحية الرقابية([18]) والقضائية([19]):
تعتبر الصلاحية الرقابية من أهم وظائف البرلمان في النظم البرلمانية، ويمارس المجلس هذه الوظيفة بأشكال مختلفة وبأوقات متعددة في أثناء العقود النيابية، وهي أوضح تعبير عن مراقبة تنفيذ السياسات العامة التي تقوم بها الحكومة من خلال الجهاز الإداري.
وقد نص النظام الداخلي لمجلس النواب على عدد من هذه الأشكال، مثل، الأسئلة (الشفوية والخطية) ([20]) والاستجوابات([21]) وطرح الثقة بالحكومة ولجان التحقيق البرلماني([22]) ومناقشة قطع حساب الموازنة وجلسات التصويت على الموازنة، وجلسات مناقشة الحكومة في سياستها العامة.
وتلعب الرقابة البرلمانية دوراً هاماً في مساندة الرقابة التسلسلية والرقابة المتخصصة، وتتم هذه الرقابة عن طريق اللجان البرلمانية في مجلس النواب، أو حتى من خلال اللجان الفرعية، حيث تلعب هذه الرقابة (البرلمانية) دوراً واسعاً في الرقابة على السلطة التنفيذية، وعلى الإدارة([23]).
وهنالك أيضاً مسألة تقديم البيان الوزاري الذي يحدد سياسة الحكومة وعلى أساسه تنال ثقة المجلس حيث نصت الفقرة الثانية من المادة (64) من الدستور على أن ”تتقدم الحكومة من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال“.
من هنا نلاحظ أن وجود الحكومة واستمرارها مرتبط بثقة مجلس النواب، لأن نيلها الثقة يعنى استكمال مقومات وجودها الدستوري وإجازة لها في ممارسة كامل صلاحياتها الدستورية.
وكذلك للمجلس النيابي وحده الحق في إتهام الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (المادة 80 من الدستور)([24]).
د- الصلاحية الانتخابية:
تساهم الصلاحية الإنتخابية في تثبيت موقع المجلس النيابي في النظام السياسي من خلال دوره في نشوء السلطات الأخرى. وذلك من خلال إنتخاب المجلس النيابي رئيس الجمهورية (المادة 49 من الدستور)، وتكليف رئيس الحكومة الجديد إستناداً لاستشارات نيابية ملزمة يقوم بها رئيس الجمهورية (الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور([25]))، وانتخاب خمسة من الأعضاء العشرة الذين يتشكل منهم كل من المجلس الدستوري والمجلس الوطني للأعلام.
ولا بد من الإشارة اخيراً إلى الصلاحية التأسيسية التي يمارسها المجلس النيابي من خلال تعديل الدستور (المواد 76 و 77 و78 و79 من الدستور).
البند الثاني: السلطة التنفيذية
وتمارس السلطة التنفيذية صلاحياتها بإسم الدولة وعلى مستوى البلاد بمجملها. وظيفتها سياسية وإدارية في آن، رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء هما في لبنان السلطتان المركزيتان([26]).
وقد أحدث التعديل الدستوري الصادر في 21/9/1990 تغييراً جذرياً على صعيد السلطة الإجرائية في لبنان، فبعد أن كان رئيس الجمهورية قبل هذا التعديل هو القابض على جميع مفاصل السلطة التنفيذية أصبح مجلس الوزراء (المادة 56 من الدستور) مجتمعاً هو صاحب اليد العليا في إدارة الحكم في لبنان، وأبقى لرئيس الجمهورية العديد من الصلاحيات التي تجعل منه حكماً وحارساً لحسن إدارة البلاد وحامياً للدستور، وكذلك أعطى رئيس مجلس الوزراء صلاحيات خاصة لأول مرة في نص الدستور.
وتتمظهر السياسات العامة للحكومة في النظام السياسي اللبناني في البيان الوزاري الذي تضعه الحكومة المؤلفة من معظم الكتل الممثلة في البرلمان، وفي الوقت الذي يعكس تشكيل الحكومة الواقع الإجتماعي والطائفي والسياسي يعكس البيان الوزاري غالباً رصد الحاجات التي أفرزتها العملية السياسية (الإنتخابية وبفعل قوى الضغط المختلفة) والإجتماعية… ويتضمن البيان الوزاري برنامج عمل الحكومة والخطوات الكبرى للسياسية التي تنوي إعتمادها في شتى المجالات. وعلى أساس البيان الوزاري الذي تعرضه الحكومة أمام البرلمان تسعى الحكومة لأن تنال ثقته قبل ممارستها لكامل صلاحياتها([27]).
وغالباً ما تضطلع السلطة التنفيذية من خلال جهازها الإداري بتنفيذ السياسات العامة المرسومة في البيان الوزاري، غير أن دورها في رسم السياسات العامة لا يمكن اغفاله، وذلك من خلال المراسيم والقرارات التي تصدرها وهي تكون أكثر وضوحاً من السلطة التشريعية في رسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة.
وسنستعرض في هذا البند، باختصار، دور السلطة التنفيذية في وضع السياسات العامة من خلال رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء.
أولاً- رئيس الجمهورية
لقد تغير دور رئيس الجمهورية عقب أقرار التعديلات الدستورية التي أرساها اتفاق الطائف (المعدلة بالقانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21/9/1990). فالمادة 17 من الدستور كانت تنيط برئيس الجمهورية السلطة الإجرائية، ويتولاها بمعاونة الوزراء. بينما أناط النص الجديد هذه الصلاحية بهيئة دستورية مجتمعة تتمثل بمجلس الوزراء.
يعتبر رئيس الدولة، الرئيس الأعلى للمرافق العامة والعاملين في إطارها، وقد اعتبرت المادة (49) من القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990، رئيس الجمهورية ”رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء“. وقد حددت المادة 53([28]) صلاحيات رئيس الجمهورية في رسم السياسات العامة للدولة اللبنانية وفقاً لما يلي:
- يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت…
- يحيل مشاريع القوانين التي ترفع إليه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب.
- يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم…
- يوجه رسائل إلى مجلس النواب.
- يعرض أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
- يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة (المادة 56).
- حق طلب إعادة النظر في القوانين (المادة 57)…
ثانياً- رئيس مجلس الوزراء
أفردت المادة (64) للمرة الأولى بموجب القانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21/9/1990، فقرة خاصة برئيس مجلس الوزراء، واطلقت عليه صفة رئيس الحكومة واعتبرته ممثلاً لها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، ”ومشاركة رئيس مجلس الوزراء في الحكم وجعل رئاسة مجلس الوزراء مؤسسة دستورية“([29])، ومن اجل تحقيق كل ذلك منح صلاحيات خاصة ويعاونه جهاز إداري.
ويؤثر الواقع السياسي تأثيراً بالغاً في التنظيم الإداري، وهذا الأمر ينطبق على عمل الإدارة التي تعاون رئيس مجلس الوزراء في ما إذا كانت الوحدات التابعة له مهيئة قانونياً وتنظيمياً لتوفير جميع المعطيات والدراسات على اختلاف مواضيعها، ووضعها بتصرف رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، في الوقت المناسب، ضمانا لحسن سير العمل، في إدارة مصالح الدولة. وعليه فان ”رئيس مجلس الوزراء يمارس الصلاحيات التالية:
- يرئس مجلس الوزراء، ويكون حكماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع…
- يطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب…
- يوقع مرسوم الدعوة الى فتح دورة استثنائية ومراسيم إصدار القوانين وطلب إعادة النظر فيها.
- يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول أعماله. ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث.
- يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.
- يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص“.
ثالثاً- مجلس الوزراء (الحكومة):
إن أي نظام سياسي مهما كانت أهدافه النهائية، يحتاج الى وجود مؤسسة، تتخذ عدة قرارات لها طابع سلطوي وهذه المؤسسة يتعارف علماء السياسة على تعريفها بالحكومة. فالسياسات العامة هي وليدة السلطة التنفيذية في النظام السياسي، وهي في ذات الوقت مدخل أساسي للجهاز الإداري، داخل النظام السياسي. ويتركب مجلس الوزراء في لبنان ويعمل ويمارس صلاحياته ضمن الحدود التي نص عليها الدستور اللبناني.
وتنص المادة (66) من الدستور على أنه ”… يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به. ويتحمل الوزراء اجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون افرادياً تبعة أفعالهم الشخصية“. وإلى جانب الدور السياسي الذي يقوم به الوزير، فهو الرئيس التسلسلي للموظفين التابعين للإدارة التي يتولاها([30]). ويساهم الوزير بصفته السياسية في رسم سياسة الدولة ويخطط لأعمالها، وبصفته رئيس الهرم الإداري يساهم حسب نص المادة 4 من المرسوم الأشتراعي 111/59 على أن “تنظم الوزارات بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء تحدد عدد الدوائر والأقسام في كل منها، وتعين الصلاحيات العامة وكيفية توزيع هذه الصلاحيات بين مختلف المديريات العامة والمديريات والدوائر والأقسام”.
ويتكون مجلس الوزراء اللبناني من فئتين من الوزارات، الفئة الأولى هي الوزارات التي تنشأ بقانون وتتولى مهمة دائمة وهيكليتها تبنى وفقاً للمرسوم الاشتراعي 111/59، وهي بطبيعة عملها يمكن تصنيفها إلى سيادية وإقتصادية وإنشائية وإجتماعية وتربوية… ويبلغ عددها في لبنان اليوم 21 وزارة([31]). وهناك فئة ثانية من الوزارات هي وزارات الدولة اسند لها مهمة دائمة أو مؤقتة وتنشأ وتحدد مهمتها في مرسوم تشكيل الحكومة، وليس لديها هيكلية تنظيميه تعتمد التنظيم الإداري وفقاٌ للمرسوم الاشتراعي 111/59، هي: 1- وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، 2- وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، 3-وزير دولة لشؤون المرأة، 4- وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، 5- وزير دولة لشؤون التخطيط، 6- وزير دولة لشؤون مكافحة الفساد، 7- وزير دولة لشؤون النازحين، 8- وزير دولة لشؤون حقوق الانسان (مرسوم رقم 3 تاريخ 18/12/2016 – تشكيل الحكومة).
وتعتبر الحكومة الهيئة التنفيذية والإدارية العليا، وهي تقوم بإدارة أعمال الدولة من توجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات والهيئات العامة وإعداد مشروعي الموازنة العامة للدولة والخطة العامة للدولة وعقد القروض ومنحها. كما تشترك الحكومة مع رئيس الجمهورية في رسم السياسة العامة للدولة اللبنانية والإشراف على تنفيذها وملاحقتها وفقا للقوانين والأنظمة. والمحافظة على أمن الدولة وحماية حقوق المواطنين ومصالحهم بواسطة الأجهزة المعاونة لها المتمثلة في الجهاز المركزي (الحصري واللاحصري) والمؤسسات العامة بالتعاون والتنسيق مع الهيئات اللامركزية الإقليمية المتمثلة بالبلديات.
وتناولت المادة 65 (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990) صلاحيات مجلس الوزراء من خلال إناطتها ”السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة، ومن الصلاحيات التي يمارسها:
أ- وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.
ب- السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء.
ج- تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون… “.
هـ- تساهم السلطة التنفيذية في الحقل التشريعي من خلال: إقتراح مشاريع القوانين، إقرار مشاريع القوانين المعجلة، الصلاحية المالية، المراسيم الاشتراعية، المراسيم المكملة أو المعدلة للقوانين، المشاركة في عملية تعديل الدستور([32]).
البند الثالث- السلطات والهيئات القضائية
يرتكز النظام القضائي اللبناني على مزيج من المبادئ القانونية المستمدة من القانون المدني والإسلامي والعثماني، وعلى قوانين السلطة التشريعية اللبنانية. وتكفل المادة 20 من الدستور اللبناني تأسيس القضاء اللبناني ككيان مستقل لا يخضع إلا للقانون([33]). ويحكم القانون الذي صدر بالمرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983([34]) (المعروف بقانون التنظيم القضائي) بنية ووظيفة القضاء.
ويظهر المرسوم الاشتراعي 150/83 دور السلطة القضائية في رسم ومراقبة تنفيذ السياسات العامة للدولة اللبنانية، وذلك من خلال المحاكم والهيئات (هيئة التشريع والاستشارات في لبنان) والمجالس (المجلس الدستوري). فالقضاء الإداري يتولى مهمة مراقب تنفيذ المراسيم والقرارات، وهيئة التشريع والاستشارات تتولى صياغة وتفسير ومراجعة النصوص القانونية والتنظيمية عند عرضها عليها لأبداء الرأي… (المواد 7 و8 و9 و10)، وكذلك تمارس المحاكم دوراً في وضع السياسات العامة من خلال قضايا الملكية والعقود وإصدار الأحكام في المخالفات التي ترتكب بحق المواطنين من قبل الأجهزة الحكومية، بالإضافة لدورها الرئيسي في تطبيق القانون وتحقيق العدالة، وإصدار الأحكام في الجرائم والمخالفات المتنوعة والفصل في المنازعات…
وسينحصر حديثنا في هذه الفقرة على دور الهيئات والمحاكم في رسم وتحقيق السياسات العامة، على أن نتطرق أولاً عن دور الهيئات القضائية في وزارة العدل والقضاء الإداري والمالي والدستوري، وثانياً نتناول دور القضاء المدني والجزائي، في رسم وتنفيذ مهام وسياسات الدولة.
أ- الهيئة الاستشارية العليا:
تتولى الهيئة الاستشارية العليا أبداء الرأي في القضايا الهامة التي يعرضها عليها وزير العدل أو رئاسة مجلس الوزراء (المواد 12 و13 من المرسوم الاشتراعي 151/83).
ب- هيئة التشريع والاستشارات:
تتولى هيئة التشريع والاستشارات بناء على طلب الادارات المختصة: اعداد وصياغة وابداء الرأي في مشاريع القوانين والمراسيم والقرارات التنظيمية والتعاميم ومشاريع المعاهدات والاتفاقات الدولية التي يطلب منها وضعها. واقتراح التعديلات التي تراها ضرورية. وتتولى ايضاً تقديم الاقتراحات الى وزير العدل بشأن تعديل واستحداث النصوص القانونية (المادة 8).
وتتولى هيئة التشريع والاستشارات أيضاً بناء على طلب من الوزير المختص: تفسير النصوص القانونية؛ ابداء الرأي في الاعمال والعقود التي يكون للدولة علاقة بها وفي الخلافات التي تنشأ بين إدارات الدولة أو بينها وبين الغير؛ سائر المسائل والمهام القانونية التي يكلفها بها وزير العدل والمدير العام لوزارة العدل (المادة 9).
ج- هيئة القضايا:
تتولى هيئة القضايا اقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الدعاوى المقامة عليها في الداخل والخارج… والمثول أمام جميع المحاكم العدلية والادارية، والقيام بجميع الاعمال التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم سواء كانت مدعية أو مدعى عليها (المادة 18)
د- القضاء الإداري:
القضاء الإداري قضاء مستقل، يتألف من مجلس شورى الدولة ومن محاكم إدارية، وعلى رأس المحاكم الادارية محكمة عليا هي مجلس شورى الدولة ومركز هذا المجلس بيروت([35]).
ويتولى مجلس شورى الدولة صلاحية البت في القضايا المتعلقة بالنزاعات بين الأفراد والدولة، ويساهم في اعداد مشاريع القوانين، فيعطي رأيه في المشاريع([36]) التي يحيلها عليه الوزراء ويقترح التعديلات التي يراها ضرورية… (المادة 56).
وتتولى المحاكم الادارية الاختصاصات التالية: النظر في طلبات الابطال بسبب تجاوز حد السلطة للقرارات ذات الصفة الادارية سواء كانت تتعلق بالأفراد ام بالأنظمة الصادرة عن سلطة عامة محلية (محافظ – قائمقام – مجلس بلدي- الخ…). وفي النزاعات المتعلقة بقانونية إنتخابات المجالس الادارية كالمجالس البلدية والهيئات الاختيارية وسواها. وفي النزاعات المتعلقة بتأديب الموظفين المحليين (المادة 63).
هـ- ديوان المحاسبة:
عرفت المادة الأولى من قانون تنظيم ديوان المحاسبة الصادر بالمرسوم رقم 82 تاريخ 16/9/1983 الديوان بأنه ”محكمة إدارية تتولى القضاء المالي، مهمتها السهر على الاموال العمومية والاموال المودعة في الخزينة… وهو يرتبط إدارياً برئيس مجلس الوزراء ومركزه بيروت“.
وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة وفقاً للمادة الثانية من القانون 82/83: ”إدارات الدولة؛ بلديات بيروت وطرابلس والميناء وبرج حمود وصيدا وزحلة – المعلقة وسائر البلديات التي اخضعت أو تخضع لرقابة ديوان المحاسبة بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء؛ المؤسسات العامة التابعة للدولة وتلك التابعة للبلديات الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة؛ هيئات الرقابة التي تمثل الدولة في المؤسسات التي تشرف عليها أو في المؤسسات التي تضمن لها الدولة حداً أدنى من الأرباح؛ المؤسسات والجمعيات وسائر الهيئات والشركات التي للدولة أو للبلديات أو للمؤسسات العامة التابعة للدولة أو للبلديات علاقة مالية بها عن طريق المساهمة أو المساعدة أو التسليف“.
و- النيابة العامة المالية:
نصت المادة 31 من المرسوم الاشتراعي رقم 150/83 على انشاء نيابة العامة مالية لدى النيابة العامة لدى محكمة التمييز تخضع لسلطة النائب العام التمييزي. وتمارس النيابة العامة المالية المهام والصلاحيات المتعلقة ”بجميع جرائم مخالفة قوانين الضرائب والرسوم… وجرائم القوانين المصرفية والمؤسسات المالية والبورصة… وجرائم قوانين الشركات… والجرائم التي تنال من مكانة الدولة المالية… واختلاس الاموال العمومية“([37]).
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن وزارة المالية تمارس رقابة على بقية الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات من خلال تعيين مراقبين ماليين يرتبطون مباشرة برئيس مصلحة المحاسبة العامة الذي يرفعها مع مطالعته إلى مدير المالية العام([38]).
ز- القضاء الدستوري:
المجلس الدستوري هو الآخر قضاء سياسي ذو طبيعة خاصة يتولى وفقاً للمادة 19 من الدستور اللبناني ”مراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو إلى عشرة أعضاء من مجلس النواب، والى رؤساء الطوائف المعترف بها قانونا في ما يتعلق حصراً بالأحوال الشخصية، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التعليم الديني. وتحدد قواعد تنظيم المجلس أصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون“.
ح- القضاء العدلي:([39])
”تمثل محاكم القضاء العدلي العمود الفقري للسلطة القضائية المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور. وكذلك تستمد هذه السلطة أختصاصاتها، وقواعد مباشرتها لمهامها، والضمانات المتوجبة للقضاة والمتقاضين، وسلطة تعيين القضاة ونقلهم، تبقى خاضعة للقوانين التي تتقدم بها الحكومة وتسنّها السلطة الاشتراعية“([40]).
أن رقابة القضاء الفعالة على التصرفات التي تقوم بها الأجهزة الحكومية في رسم السياسات العامة وتنفيذها، تعد صمام الأمان والضمانة الحقيقية أزاء التعسف الإداري، وذلك بإلغاء القرارات الإدارية المجحفة التي اتخذتها الهيئات المعنية بحق المواطنين أو التعويض عليهم عن الأضرار التي نجمت عنها.
([1])- جيمس أندرسون، صنع السياسات العامة، ترجمة الدكتور عامر الكبيسي، ط 3، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، 2007، ص 21 – 22.
([2])- جيمس أندرسون، المرجع السابق الذكر، ص 58.
([3])- كامل بربر، الإدارة العامة في لبنان التحديات والإصلاح، دار المنهل، بيروت، 2006، ص 60.
([4])- Pierre MULLER, Les politiques publiques, Que sais-je?, Presses Universitaires de France (PUF), Paris, N° 2534. 4e édition, 2000, Juin, p. 23..
([5])- علي حسين الشامي، الإدارة العامة والتحديث الإداري، رشاد برس، بيروت، 1995، ص 64 – 65.
([6])- صالح طليس، المنهجية في دراسة القانون، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2010 ، ص 24.
([7])- عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الثالثة، 1977، ص 82.
([8])- للتوسع في تناول التعديلات الدستورية منذ الانتداب ولغاية اليوم راجع زهير شكر، المرجع السابق، ص 188 إلى 203. ود. أحمد سعيفان، المرجع السابق الذكر، ص 211 وما بعدها.
([9])- القانون الدستوري رقم 18، تاريخ 21/9/1990، الرامي الى إجراء تعديلات على الدستور اللبناني تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني، الجريدة الرسمية، العدد 39، تاريخ 27/9/1990، ص 2-8.
([10])- على الصعيد الواقعي، فقد نشأ النظام السياسي فى لبنان على أساس توزيع السلطة السياسية بين الطوائف المختلفة، فيكون رئيس الجمهورية مسيحياً مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سُنياً، ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً. وكذلك، تتوزع الطوائف المناصب الكبرى، الحكومية والإدارية والعسكرية. كما أن الأحزاب اللبنانية الرئيسية، بمعظمها اتسمت، في الفترة التي تلت الاستقلال، بأنها تجمعات طائفية.
([11])- زهير شكر، المرجع السابق الذكر، ص 430.
([12])- نصت المادة 44 من الدستور المعدلة بالقانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990، ينتخب المجلس أولاً، ولمدة ولايته، الرئيس ونائب الرئيس، كلا منهما على حدة، بالاقتراع السري، وبالغالبية المطلقة من اصوات المقترعين، واذا لم تتوفر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يكتفى بنتيجتها بالغالبية النسبية، واذا تساوت الاصوات فالاكبر سناً يعتبر منتخباً.
([13])- يبلغ عدد اللجان النيابية الدائمة 16 لجنة. راجع المادة 20 المعدلة في جلسات الهيئة العامة للمجلس النيابي المنعقدة بتاريخ 14/10/1999 والمعدلة بتاريخ 31/10/2000 والمعدلة بتاريخ 21/10/2003.
([14])- زهير شكر، المرجع السابق الذكر، ص 541.
([15])- للتوسع في تناول هذه الصلاحيات بشكل مفصل ننصح بمراجعة زهير شكر، المرجع السابق الذكر، من ص 571 إلى ص 626. واحمد سعيفان، المرجع السابق الذكر، من ص 186 وما بعدها.
([16])- في لبنان كما في شتي برلمانات العالم يتم التفرقة بين مشروعات القوانين الواردة من الحكومة وتلك الواردة من الأعضاء، حيث تسمى تلك الواردة من الحكومة «مشروع قانون» Project de loi، أما المقدمة من الأعضاء فيطلق عليها «اقتراح قانون» Proposition de loi.
([17])- أحمد زين، النظام الداخلي لمجلس النواب، مجلس النواب، المديرية العامة للدراسات والأبحاث، 1995، ص 529 – 530.
([18])- للتوسع في تناول الصلاحية الرقابية راجع د. زهير شكر، المرجع السابق، ص 599 وما بعدها.
([19])- للتوسع في تناول الصلاحية القضائية راجع د. أحمد سعيفان، المرجع السابق الذكر، ص 201-202.
([20])- تناول الفصل الأول من الباب الثالث (الرقابة البرلمانية) من النظام الداخلي لمجلس النواب اجراءات الأسئلة في المواد 124 ولغاية 130.
([21])- تناول الفصل الثاني من الباب الثالث (الرقابة البرلمانية) من النظام الداخلي لمجلس النواب اجراءات الاستجوابات في المواد 131 ولغاية 138.
([22])- تناول الفصل الثالث من الباب الثالث (الرقابة البرلمانية) من النظام الداخلي لمجلس النواب اجراءات التحقيق البرلماني في المواد من 139 ولغاية 143.
([23])-Christian VIGOUROUX, Déontologie des fonctions public, Dalloz, 1995, PP.131,132.
([24])- المادة 80 المعدلة بالقانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21/9/1990 تنص على ما يلي: ”يتألف المجلس الأعلى، ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء، من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار القدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات. وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص“.
([25])- تنص الفقرة الثانية من المـــادة 53 على ما يلي: ”يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها“.
([26])- جورج سعد، القانون الإداري العام والمنازعات الإدارية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت – لبنان، 2006، ص 33.
([27])- لقد أكد التعديل الدستوري الصادر في 21/9/1990 صراحة على وجوب أن تتقدم الحكومة من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. للتوسع في تناول موضوع الثقة. راجع زهير شكر، المرجع السابق الذكر، ص 847. وايضاً أحمد سعيفان، المرجع السابق الذكر، ص 254-255.
([28])- القانون الدستوري رقم 18، تاريخ 21/9/1990، المرجع السابق الذكر، ص 2-8.
([29])- زهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، المجلد الثاني، المرجع السابق الذكر، ص 762.
([30])- جورج سعد، المرجع السابق الذكر، ص 39.
([31])- المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 111/59 المعدلة بالقانون رقم 247 تاريخ 7/8/2000، المتعلق بدمج والغاء وانشاء وزارات ومجالس، الجريدة الرسمية، العدد 35، تاريخ 14/8/2000، ص 3218.
([32])- للتوسع في تناول الدور التشريع لمجلس الوزراء راجع زهير شكر، المرجع السابق الذكر، ص 786 وما بعدها.
([33])- تنص المادة 20 من الدستور اللبناني على ما يلي:”السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني“.
([34])- لمراجعة التطور التاريخي للأنظمة القضائية في لبنان راجع طارق زيادة، التطور التاريخي للأنظمة القضائية، مجلة أبعـاد، العدد الخامس، حزيران 1996، ص 28–36.
([35])- القانون المنفذ بمرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975، نظام مجلس شورى الدولة.
([36])- نصت المادة 57 على أنه: ”يجب ان يستشار مجلس شورى الدولة في مشاريع المراسيم التشريعية، وفي مشاريع النصوص التنظيمية، وفي جميع المسائل التي نصت القوانين والانظمة على وجوب استشارته فيها. ويمكن ان يستشار في مشاريع المعاهدات الدولية ومشاريع التعاميم وفي أي موضوع هام يقرر مجلس الوزراء استشارته فيه“.
([37])- المادة السادسة من مرسوم رقم 1937، تاريخ 16/11/1991، المتعلق بتحديد مهام وصلاحيات النيابة العامة المالية، الجريدة الرسمية، العدد 48، تاريخ 28/11/1991، ص 877-879.
([38])- المادة 26 مرسوم رقم 2868، تاريخ 16/12/1959، المتعلق بتنظيم وزارة المالية.
([39])- للتوسع في تناول هذا الموضوع راجع سليمان تقي الدين، القضاء في لبنان، دار الجديد، 1996، ص 113 وما بعدها. وايضاً المركز اللبناني للدراسات بالتعاون كانورد أندنور، القضاء في لبنان بناء سلطة وتطوير المؤسسات، عمل مشترك: سليمان تقي الدين وحلمي الحجار وبطرس حرب وأخرون، المركز اللبناني للدراسات، 1999.
([40])- سليمان تقي الدين، صورة القضاء في لبنان: الواقع القانوني، المرجع السابق الذكر، ص 117.
تابع القسم الثاني
* رئيس مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية | كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – الجامعة اللبنانية
** نشر في مجلة الحياة النيابية | تصدر عن مجلس النواب | العدد 104 | أيلول / سبتمبر 2017
+ لا توجد تعليقات
أضف لك