بقلم / الدكتور مروان القطب*:
تم في الاسبوع الماضي تسريب مسودة مشروع الحكومة للاصلاح المالي، وورد فيها اقتراحات باجراء اقتطاع من ودائع الناس كحل اساسي للمشكلة المالية القائمة، وما اذهل المواطنين وسبب لهم هلعا هو نسبة الاقتطاع المرتفعة التي تم الحديث عنها، فهي تتجاوز الخمسين بالمئة من قيمة الودائع التي تفوق المئة الف دولار.
ان الضرر المتحقق من هذا الاقتراح يسبب اثارا اجتماعية بالغة الخطورة، لانه يمس شريحة كبيرة من متقاعدي القطاع الخاص الذين لا يحق لهم الاستفادة من نظام التقاعد ، كما انه يمس ودائع صناديق التقاعد كصندوق تعويضات افراد الهيئة التعليمية في القطاع الخاص او ودائع النقابات المهنية التي تقدم خدمة التقاعد للمنتسبين اليها، ما يعني ان المس بهذه الشريحة سيكون له اثر سلبي على شريحة واسعة من المواطنين في الحال وفي المآل.
كما ان الاقتطاع من الودائع يلحق بالغ الضرر في جنى عمر المواطنين سواء من مغتربين او مواطنين مقيمين، وهؤلاء لم يودعوا اموالهم في المصارف الا بهدف حفظها والحصول على الدخل الذي يوفر لهم حياة كريمة، ولم يكن في حسبانهم ان يجري الاقتطاع منها لاسباب لا علاقة لهم بها.
ان الاقتطاع بالطريقة التي تطرح، تشكل هروبا من الاصلاح المالي الفعلي في ملفات اصبحت تثقل كاهل المالية العامة كملفات الكهرباء والاتصالات، والصفقات خارج مديرية المناقصات ، وملف التهريب عبر الحدود، والتهرب من الضرائب والاملاك البحرية، وغيرها من الملفات التي يقتضي تركيز العناية بها من اجل تحقيق اصلاح فعلي.
ولكن من الناحية القانونية هل تستطيع الحكومة اللجوء الى هذا الخيار؟ وما هي المحاذير القانونية؟
ان اول ما يعيق تطبيق الاقتطاع من الودائع هو قانون التجارة اللبناني حيث نصت المادة ٣٠٧ منه على ان المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغا من النقود يصبح مالكا له، ويجب عليه ان يرده بقيمة تعادله دفعة واحدة او على عدة دفعات عند اول طلب من المودع ،او بحسب شروط المهل او الاعلان المسبق المعينة في العقد.
فالمصرف حصل على الوديعة لردها وليس لمصادرتها لاي جهة كانت.
اما اللجوء الى الاقتطاع من الودائع بواسطة فرض ضريبة ،فان الامر يحتاج الى قانون صادر عن مجلس النواب لان الدستور اللبناني في مادته ٨١ يقضي بعدم جواز فرض اية ضريبة وجبايتها في الجمهورية اللبنانية الا بموجب قانون شامل.
والاشكالية التي تواجه مثل هذه الضريبة انها ليست ضريبة على الدخل الناتج عن الوديعة كما هو الحال مع ضريبة الفوائد، بل هي ضريبة مباشرة على رأس المال نفسه اي ان مطرح الضريبة هو الوديعة نفسها وليس الفائدة الناتجة عنها، ما يعني انها ضريبة قاسية وتمس معيشة الناس وثرواتهم.
فهل مجلس النواب على استعداد للقبول بفرض مثل هذه الضريبة التي تمس شريحة كبيرة من المواطنين؟ وهل القوى السياسية على استعداد لمواجهة الناس في لقمة عيشهم وجنى عمرهم؟
اما ولو تم السير في قانون يشرع المس بودائع الناس بصورة مباشرة فان احتمال الطعن به لعدم دستوريته كبير جدا لانه يتعارض مع اكثر من مبدأ دستوري على الشكل التالي :
التعارض مع النظام الاقتصادي الحر الذي يقوم عليه الاقتصاد اللبناني وفقا للفقرة “و” من مقدمة الدستور التي تقضي بان النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
واساس النظام الاقتصادي الحر هو حرية تبادل رؤوس الاموال وتداولها والمحافظة عليها، كما ان الفقرة المذكورة من الدستور اكدت على حماية الملكية الخاصة والودائع المصرفية هي جزء اساسي من هذه الملكية التي يقتضي المحافظة عليها.
كما ان اي قانون يشرع الاقتطاع من الودائع يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين ، فالمادة السابعة من الدستور قضت بان كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم.
فكيف يمكن ان نحمل اصحاب الودائع اعباء حل المشكلة المالية للدولة اللبنانية دون غيرهم من الشرائح، وان يرتكز الحل على نوع محدد من الايرادات دون اللجوء الى انواع اخرى قد تجلب حصيلة نقدية تساهم في معالجة المشكلة المالية؟
ان فكرة الاقتطاع من الودائع من اجل تخصيصها لمعالجة ازمة الدين العام ،يشكل مخالفة لمبدأ شيوع الموازنة .وهذا المبدأ يقضي بعدم تخصيص ايراد محدد لاعباء معينة، فالضريبة تقتضي ان تبقى شائعة لكل الاعباء العامة دون اي تخصيص، وهذا المبدأ اكد المجلس الدستوري اللبناني على ان له القيمة الدستورية، وذلك في قراره رقم ٢٠١٧/٥ تاريخ ٢٢ / ٩ / ٢٠١٧.
خلاصة القول ان الطريق ليس معبدا من الناحية القانونية امام المضي في الاقتطاع من الودائع، والحل المقترح يصطدم بكتلة من القواعد القانونية والمبادىء الدستورية مما يحول دون نجاحه.
* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية
+ لا توجد تعليقات
أضف لك