إعداد | العميد الركن الدكتور حسن جوني:
يشكل الشرق الاوسط محط الأنظار والإهتمام الدوليين، ونقطة ارتكاز في العلاقات الدولية المعاصرة، فغالباً ما يهيمن على المحادثات والمؤتمرات بين مختلف دول القرار الدولي بحث عن فرص للسلام والاستقرار في منطقة تتفاعل فوق أرضها جملة من التفاعلات والصراعات بين الأجناس والأديان والإيديولجيات جامعة بين رحاها عوامل مؤثرة: كالعامل الجيوبولوتيكي والعامل الإيديولوجي. منطقة الشرق الاوسط أكثر المناطق العالمية هشاشةً رغم أنها تمثل ربع العالم من الناحية السكانية، وأكثر من خمس كوكب الأرض من ناحية المكان، وتعتبر قلب العالم من الناحية الجغرافية، وهي غنية أيضاً بالموارد الطبيعية التي تعتبر المحرك الأساسي لاقتصاد العالم أجمع، بحيث يستحيل وضع أي تصور جيوبوليتيكي عالمي دون تصور مركزي لهذا النظام.
تتفرد المنطقة بالعامل الإيديولوجي حيث تتنوع فيها المعتقدات والأديان والثقافات والقوميات والمذاهب مما جعلها مختبراً لحوار الحضارات وصراعاتها، ومؤشراً لما سيؤول إليه مستقبل البشرية جمعاء.
شهدت منطقة الشرق الاوسط في السنوات الماضية تطورات عديدة، يمكن أن يكون لها تداعيات سياسية، وأبعاد إستراتيجية هي غاية في الأهمية والخطورة، يتعلق الأول بالاحتلال الأميركي للعراق (2003). والثاني بإخفاق العدوان الإسرائيلي على لبنان (2006). والثالث بالإنقسام الفلسطيني (2007). أما الرابع فيتعلق بتزايد النفوذ الإيراني في العراق وفي عموم الشرق الأوسط وربما أن تزايد النفوذ الإقليمي لإيران هو بمثابة التطور الأهم، والأبرز، بين مجمل التطورات المذكورة، بالنظر لتداعياته على تحدي النفوذ الأميركي في هذه المنطقة، ولاسيما في العراق، ودعم جبهات المقاومة في مواجهة إسرائيل وهناك التطور الخامس الجديد (2011) وهو الربيع العربي الذي بدأ بتونس ولم ينته حتى هذه اللحظة والذي أدى الى بروز النفوذ الروسي – التركي – الإيراني الإقليمي.
محاولة الولايات المتحدة الأميركية فرض تصورها الشرق أوسطي أو العربي عبر قضايا متداخلة بين بعدها العالمي من جهة وبعدها الإقليمي من جهة أخرى مثل قضايا التسلح واللاجئين والمياه والتعاون الاقتصادي، مع السعي لتأسيس نماذج للتعاون والتكامل على أسس جيوإستراتيجية، وجيوإقتصادية بهدف تقويض النظم الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأنظمة العربية، وعلى حساب قضايا ومصادر الصراع الجوهرية، وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والقضية الفلسطينية، وعلى حساب الانتماءات والروابط العروبية والثقافية والحضارية والتاريخية واللغوية ولكن عودة بروز النفوذ الروسي في المنطقة أعادت خلط الأوراق فيها.
تلاقت المصالح الأميركية والإسرائيلية في إعادة صياغة خريطة المنطقة عبر طرح صيغة ملائمة لإدخال إسرائيل فيها بصورة تنزع عنها مواصفات الجغرافيا التاريخية وسمات التاريخ الحضاري والثقافي، وتشدد فيها على الجغرافيا الاقتصادية المعاصرة في نظام السوق العالمية، لتخلق فيها نواة سوق شرق أوسطية تتوسع بالتدريج إنطلاقًا من إسرائيل كنواة، ومن دورها كقوة جاذبة ومهيمنة اقتصادياً وتكنولوجياً وأمنياً ومدنياً.
إذا كانت الجغرافيا السياسية تنظر إلى الدولة كوحدة متكاملة، فإن الجيوبوليتيك تعدها كائناً عضوياً في حركة متطورة، أي أن هذا المصطلح يعني الطمع الجغرافي، حيث يلاحظ مع بروز الولايات المتحدة الأميركية كأكبر قوة عالمية، مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو الحدود الشفافة التي يقصد بها الهيمنة الأميركية الإقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة، أو ما يسمى بجغرافية السيطرة من دون إمبراطورية.
المصدر | مجلة القرار للبحوث العلمية | العدد الأول | المجلد الأول | السنة الأولى | كانون الثاني (يناير) 2024 | رجب 1445
عرض الدراسة | PDF 698 KB
+ لا توجد تعليقات
أضف لك