السلوك الإنتخابي للمرأة اللبنانية

1 مدة القراءة

إعداد: الباحثة رانيا جان الحتي

إعتبر أفلاطون أنّ القيادة السياسية تنبع من قدرة طبيعيّة مصحوبة بنمط تربية معيّن، وبالتالي، لا تختلف المرأة عن الرجل من حيث امتلاك –أو عدمه- للقدرة الطبيعية على القيادة، بل إنّ تفوّق الرجل ينتج عن اختلاف في التربية منذ الطفولة. ويؤكّد سقراط أنّ ما يبقي النساء خارج الحياة العامّة ليست الطبيعة، بل العادات والتقاليد.
بالمقابل، يناقض أرسطو نظرة المساواة بين الرجل والمرأة، مستنداً إلى الفروقات الفيزيولوجية الخارجية بين الجنسين، بحيث أنّه اعتبر المرأة كائناً عائباً: «ذكر مشوّه». بالإضافة إلى ذلك، فالحياة العامة، بالنسبة إلى أرسطو، تحتاج إلى أوقات فراغ لا تمتلكها المرأة، التي تلد الأطفال وتربّيهم وتدير شؤون المنزل. ناهيك عن أنّ المرأة كائن يُدار بالعواطف، لا يمتلك الخطاب العقلاني الذي يسيّر عالم السياسة.
يُنتقد اليوم أرسطو بأنّه أقر من ناحية أنّ قليلون هم الرجال الذين يمتلكون المواصفات الكاملة للعمل السياسي، ومن ناحية أخرى، نفى كلياً هذه الامكانية عن النساء. كذلك، فإنّ نظريته حول غلبة العاطفة على العقلانية لدى المرأة تفتقد للإثبات. غير أننا إذا نظرنا إلى ما تضمّنه تاريخ الفكر السياسي الغربي حول مشاركة المرأة في السياسة، فإننا لا نجد سوى القليل. ومحتوى ما كتب في الموضوع مخيّب للآمال.
وساوى جون لوك بدايةً بين الرجل والمرأة، ليس على أساس الطبيعة، بل على أساس المساواة في إبرام العقد الإجتماعي. من ثمّ، يحجب هذا العقد عن النساء أي حقوق سياسية، ويحصر ممارسة الحكم بالرجال فقط. من ناحيته، بحث ماكيافلي عن أمير قوي، كامل الرجولة، يُخرج إيطاليا من ظلمتها ويعيد توحيدها.
من هنا يمكننا القول أن الفكر السياسي واكب الثقافة المجتمعية السائدة، وبرّر إبقاء المرأة خارج الحياة العامة. إلى أن بدأت المرأة تكسر قيود التقليد، وتقلّص الفوارق التاريخية بينها وبين الرجل على كافّة الأصعدة.
ولا يمكن القول اليوم أنّ هذا المسعى قد وصل إلى خواتيمه، سيما في لبنان، المتأرجح بين التقليد والحداثة. فيُعتبر مستوى تمثيل المرأة في مجلس النواب اللبناني متدنياً عن مستويات مختلف أنحاء العالم؛ لا بل إنّ معدّل مشاركة المرأة اللبنانية في السياسة هو من أدنى المعدلات في العالم العربي. ورغم بلوغهنّ مقاعد المجلس النيابي، ومشاركة نسائية ناشطة في الحملات الانتخابية، فإنهنّ لم يعملن كموظّفات على الأقلام الإقتراعية قبل دورة 2009 .
إختيار موضوع البحث وأهدافه
إنّ خصوصية المجتمع اللبناني بشكل عام والمجتمع الأنثوي بشكل خاص وإشكاليتها في وصولها إلى البرلمان، كانت الحافز لاختيارنا هذا الموضوع. الهدف من هذه الدراسة هو الإضاءة حول السبب الحقيقي أمام غياب المرأة اللبنانية عن الساحة السياسية او في أفضل الأحوال حضورها الخجول في الإنتخابات البرلمانية، وبين رافض او مشكك بفاعليتها في ظل التقليد المجتمعي والسياسي المتجذّر في التركيبة اللبنانية.
الإطار النظري للبحث وحدوده
لا بدّ لنا أولاً قبل الشروع بدراستنا، أن نعرّف مفهوم الثقافة السياسية.
الثقافة السياسية : على الرغم من الاختلاف في التعاريف المقترحة للثقافة السياسية، فإنّ هناك إجماعاً على مقوّماتها الأساسية، وبالتالي، يمكن تعريفها على أنها: مجموعة القيم والمبادئ والتقاليد التي يؤمن بها شعب ما (أو فئات منه) والتي ترسم الإطار العام الذي يحدد الخيارات والتصرفات والمواقف والنزاعات السياسية. وتُكتسب الثقافة السياسية وتنتقل من جيل إلى جيل عبر وسطاء عدّة وتتأثر بعوامل مختلفة تأتي في طليعتها التجارب الفردية والجماعية، الأمر الذي يضفي على هذه الثقافة الدينامية وقابلية التغير والتطور. والثقافة السياسية لا توجد بمعزل عن الثقافة الأشمل لمجتمع ما، أي مجموعة القيم والتقاليد والمبادئ الإجتماعية بل غالباً ما تكون نتيجة حتمية لها. كما أنّ معظم ما كُتب عن الثقافة السياسية اللبنانية كتبه «رجال» من وجهة نظرهم وتجاربهم وتمّ التعميم للآخر. ولا بدّ إلاً أن نتساءل حول قدرتنا على التسليم بهذا التعميم.
وبهدف دراسة السلوك الانتخابي للمرأة اللبنانية تمّ إعتماد المنهج الوصفي للتطرّق إلى الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يحول دون تمكين وتعزيز دورها في الانتخابات البرلمانية، والمنهج التحليلي لمعرفة مكامن الخلل الاساسية وتحليل نتائجه ، وإستنتاج الحلول المقترحة لعلّه يُقدم مادة يؤخذ بها إنطلاقاً من اختيارنا مثال تطبيقي دائرة بيروت بين انتخابات 1996 و2005/2009.
إشكالية البحث
على الصعيد السياسي، تحظى المرأة اللبنانية بفرص محدودة من القيادة والمشاركة في العملية السياسية، لا سيّما في مشاركتها في مواقع صنع القرار ، كما أنّ معدل مشاركتها في الإنتخابات النيابية ليس بالمستوى المطلوب . إنطلاقاً من ذلك، نطرح الإشكالية التالية:
إلى أي مدى يمكن الحديث عن «ثقافة سياسية مجندرة» تحكم السلوك الانتخابي في لبنان؟
يتفرّع من هذه الإشكالية عدة أسئلة وعدة فرضيات :
الفرضيات :
– انخفاض المشاركة السياسية للمرأة في لبنان تعيقها عوامل إجتماعية وإقتصادية وسياسية
– عدم إقدام مشاركة المرأة في السياسة يعود أيضاً إلى سلوكها المرتبط بعقبات نفسية
– غياب قوانين ونصوص تشريعية تشجع المرأة على الانخراط في الحياة السياسية
– تقاعس الأحزاب اللبنانية عن ترشيح نساء الى البرلمان
– القوانين الإنتخابية القائمة على حسابات المحاصصة الطائفية
الأسئلة:
– هل المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب اللبنانية أم في القوانين الإنتخابية التي تجعل مشاركة المرأة خجولا في العمل السياسي والترشح للإنتخابات النيابية؟
– ما هي العوامل التي تتحكّم بخيار المرأة الانتخابي؟
– ما هي العوامل المؤثرة على وجود المرأة في المعترك السياسي؟
أهمية البحث العملية والعلمية
من الناحية العلمية، تكمن أهمية هذا البحث لأن يكون بمثابة مدخلٍ للباحثين والباحثات في الشؤون العامة او الطامحين والطامحات للعب أدوار سياسية في لبنان، لتمكينهم من الإطلاع على سلوك المرأة في الإنتخابات النيابية على ضوء خصوصية المجتمع اللبناني وتركيبته المجتمعية «الذكورية.
من الناحية العملية، قد يُساعد في النهاية هذا البحث على التفكير في إيجاد الحلول الملائمة، والتخفيف من المزايدات، وتحسين نوعية القرارات، وتطوير المقاربات، وتصويب السياسات، وحُسن اجتراح «العلاجات»، تحقيقاً لما يرى فيه كلٌ منهم حاضراً ومستقبلاً، فائدته البحثية والمعرفية والسياسية، أو فائدة تمكين المرأة اللبنانية من وصولها إلى المجلس النيابي دون منةٍ من أحد .

المصدر : مجلة القرار للبحوث العلمية | العدد السابع | المجلد الثاني | السنة الأولى | تموز (يوليو) 2024 | محرم 1445

ElQarar http://www.elqarar.com

مجلة القرار® للبحوث العلمية المحكّمة
ElQarar® Journal for Refereed Scientific Research

المزيد للمؤلف

ربما يعجبك أيضاً

+ لا توجد تعليقات

أضف لك