دائمًا ما نتساءل عن جذر مظلوميتنا نحن النّسوة في العالم العربيّ، ولبنان تحديدًا، عن تلك العلّة الأولى التّي غيبتنا في صفوف المواطنة الخلفيّة، عن سبب النزيف الحقوقيّ المُستمر؛ وإذ تتفاوت التّفسيرات السّوسيولوجيّة، التّي تنحو على العادات والتّقاليد الاجتماعيّة باللائمة، يغيب تقريبًا الحديث عن البُعدٍ السياسيّ البحت، وهو حصيلة كل سياسات الإقصاء وعدم تمكين النسوة اللّبنانيات سياسيًا. فتغيب الفرص الحقيقية في صناعة السّياسة والانخراط في اتخاذ القرار، وما يتناسل عن ذلك من بقاء القوانين التّي تفاقم محنة النّسوة، وتشرّعها.
مقترح قانون للكوتا النّسائيّة
على هذا الأساس، ينبثق مطلب الكوتا النّسائيّة أو الجندريّة بوصفه احد الحلول، والذي حاولت المنظمات الحقوقيّة والنّسائيّة، لسنوات طويلة، جعله قانونًا نافذًا، من شأنّه تكريس حقّ النّسوة بالتّمثيل السّياسيّ. واليوم ولأول مرّة بات هذا المطلب قريبًا للتّحقق أكثر من أي وقتٍ مضى. ففي 7 كانون الأول الجاري، وبدعوة من برنامج الأمم المتحدّة الإنمائي UNDP ومنظمة “فيفتي فيفتي”، وقّع عشرة نواب من البرلمان اللّبنانيّ على اقتراح “قانون الكوتا النّسائيّة في المجالس البلديّة”. وتمّ فورًا وضعه على جدول أعمال اللجان النيابيّة للنقاش والبحث بهدف الاتفاق على صيغة نهائيّة يتمّ إقرارها قانونيًّا في جلسة عامة لمجلس النواب.
شارك في المؤتمر، كل من الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ ميلاني هاونشتاين، نائب رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي في لبنان مارتن سكيلف، والوكالة الأميركية للتنمية الدوليّة، ورئيسة منظمة “فيفتي فيفتي”، جويل أبو فرحات. ناهيك بالأعضاء الموقعين من البرلمان اللبناني، ممثلين عن المجتمع الدولي، خبراء في القانون والانتخابات، وأعضاء من ائتلاف الكوتا الوطنيّ، ومنظمات المجتمع المدنيّ.
فيما ينصّ الاقتراح على تخصيص كوتا بنسبة 30 بالمئة من المقاعد في مجالس البلديات التّي تضمّ 9 و12 عضوًا، وكوتا بنسبة 50 بالمئة في البلديات التّي تضمّ 15 و18 و21 و24 عضوًا، فيما تتمثل الغاية منه إلى تمثيل إجماليّ للنساء يُقدّر بحوالي 40 بالمئة في جميع البلديات على امتداد الأراضي اللّبنانيّة. أما الأعضاء الموقعون فهم ممثلو مجمل الكتل النيابيّة وهم: سيمون أبي رميا، سامي الجميل، هادي أبو حسن، الياس حنكش، بلال عبد الله، عناية عز الدين، ندى البستاني، راجي سعد، نجاة عون وحليمة قعقور.
وقد لوحظ غياب كتلتي حزب الله والقوات اللّبنانيّة عن لائحة الموقعين على المقترح، وعليه تشرح رئيسة منظمة “فيفتي فيفتي”، جويل أبو فرحات لـ”المدن” أن السّبب في غياب هاتين الكتلتين يكمن في “كونهما لا تزالان في طور التباحث داخليًّا بالمقترح، وخصوصًا كتلة القوات، إلا أنّها أكّدت أن حزب الله وعلى خلاف العادة لم يقمّ بتبرير امتناعه عن التّوقيع بارتباط التّمثيل النسائيّ بجانب إيديولوجيّ أو عقائديّ، بل أشار عضو الكتلة محمد رعد، أنّهم لن يوقعوا لكن لن يعارضوا”. وهنا علّقت أبو فرحات، بالقول:” وبعدم معارضة حزب الله للمقترح، بالإمكان القول أنّه وحلفاءه لن يعرقلوا مسار القانون، بل وإن حزب الله أكدّ لنا أنّه في صدّد تطوير استراتيجيّة ورؤية مقبلة لتعزيز دور المرأة في الحزب”.
الكوتا النسائيّة والتّمثيل البلديّ
فيما لفتت أبو فرحات لكون هذه الكوتا، تحديدًا وفي المجالس البلديّة، قد جاءت على قياس القانون الأكثريّ، وبالتّالي يُمكن إجراء التّعديلات على القانون الحاليّ، وهذا طريق مختصر أمام السّجالات السّياسيّة التّي سوف تعترض طريق المقترح إذا كان على أساس قوانين انتخابيّة أُخرى. ومن شأنه تصحيح الخلّل في القانون الحاليّ بصورة مؤقتة، على الأقلّ لضمان التّمثيل النسائيّ بدايّة في المجالس البلديّة.
وقد يُحاجج البعض أن هذه الكوتا لا تصبّ في صالح المطلب النّسويّ، الذي يُطالب بتكريس حقّ المرأة بوصفها عنصرًا مساويًّا للرجل، لا فئة أو أقليّة تمثيليّة كما تجعلها الكوتا، وهنا تستطرد أبو فرحات:” لا ننكر أن مطلب الكوتا قد يُشكل جدليّة لدى البعض، لكنه في الوقت نفسه جسر عبور ومرحلة انتقاليّة نرمي من ورائها لتكريس المساواة بالمطلق، وهذا ما اعتمدته شتّى الدول التّي بدأت بالكوتا حتّى صارت اليوم نماذج يُحتذى بها بالتّمثيل النسائيّ، ونحن سنكافح من أجل هذا الحقّ وتحقيق حلمنا بالمساواة والعدالة، الكوتا هي تمييز لكنه إيجابيّ وسيُمهد الطريق أمامنا نحن النّسوة للوصول إلى حقّنا في التّمثيل ومن ثمّ حقنا في إسقاط كل القوانين المُجحفة التّي وضعتنا في الصفوف الخلفيّة وقيدت حرياتنا”.
مقترح القانون ليس الأول من نوعه إذ نصّ نظام الكوتا الجندريّة المقترح لبنانيًّا منذ العام 2006 على حجز 30 في المئة من اللوائح الانتخابية و20 في المئة من مقاعد المجالس البلدية للنساء كحدٍّ أدنى للمشاركات، لكن المقترح بقيّ في سباته الطويل في جداول الأعمال غير المزمع تنفيذها منذ عام 2010، ومنذ وقتها جُمدّت حقوق المرأة السّياسيّة أسوةً بباقي حقوقها اللصيقة. أما السّورياليّ في كل هذا الواقع، فهو كون لبنان كان السّباق عربيًّا في تكريس حقّ المرأة في المشاركة السّياسيّة، اقتراعًا وترشحًا، عام 1953.
الانتخابات البلديّة
ما ذُكر أعلاه، يدفعنا للتساؤل عن حجم المشاركة النّسائيّة في التّمثيل البلديّ، لو تمّ إقرار القانون، بالأخذ بعين الاعتبار أن هذه الانتخابات ذات طابع عائليّ أكثر من كونها سياسيّة بالمرتبة الأولى، كما في الانتخابات النيابيّة، التّي وبالرغم من الإقبال الملحوظ للنسوة اللبنانيات ترشحًا إليها، لم تسفر عن تغيير استثنائي في نسب الفائزات مقارنةً بالسّنوات السّابقة.
تؤكد رئيسة “فيفتي فيفتي” في هذا السّياق، أن الطموح الأكبر هو إقرار الكوتا، وتمكين النّسوة عمل تراكميّ. وقدد لحظ المقترح هذه النقطة، إذ أنّه فرض، في كل بلديّة أن يكون الرئيس أو نائبه امرأة، أي بصورة تشاركيّة.
هذا ويُذكر أن المجالس البلديّة الحاليّة قد جرى التّمديد لها مدّة عامين على التّوالي، وقد شهدت هذه المجالس انحدارًا دراماتيكيًا على المستوى العمل في ولايتها الحاليّة، والمقرون بالانهيار الماليّ والاقتصاديّ وإفلاس البلديات أكان نتيجة النهب العام أو الشحّ في الموارد. الأمر الذي جعل عدداً ضخماً من البلديات مُنحلًّا ومستقيلًا.
المصدر: المدن
+ لا توجد تعليقات
أضف لك