اجراءات مصرف لبنان في الميزان

1 مدة القراءة

بقلم/ الدكتور مروان القطب*:

ما يلفت الانتباه في التعميم الصادر عن حاكم مصرف لبنان رقم ٥٣٦ تاريخ ٢٠١٩/١٢/٤ والموجه الى المصارف، انه استند في حيثياته الى وجود ظروف استثنائية تمر بها البلاد، وهذا يعني في لغة القانون الحق في اتخاذ اجراءات استثنائية قد تكون غير مألوفة بالنسبة للقواعد المعمول بها في ظل الظروف العادية.

كما ان التعميم المذكور استند الى مبدأ استمرارية المرفق العام، خصوصا ان التعاميم المماثلة تصدر بالعادة بالاستناد الى موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان، وهذا المجلس يتعذر اجتماعه في الوقت الحاضر بعد انتهاء ولاية نواب الحاكم وعدم قيام السلطة السياسية، قبل بداية الازمة، بالتوافق على تعيين نواب جدد او اعادة تعيين النواب السابقين بسبب الخلافات بين اركانها.

ويجب الاشارة الى ان هذا التعميم كان يقتضي ان يصدر في بداية الازمة، ولكن ان يأتي متأخرا خير من ان لا يصدر ابدا.

اولا : مضمون التعميم الصادر
ويتضمن هذا التعميم مجموعة من الاجراءات، اهمها:
١- يدفع مصرف لبنان فوائد ودائع المصارف لديه المفتوحة بالدولار الاميركي، ٥٠% بالدولار الاميركي، و٥٠% بالليرة اللبنانية.

٢- يدفع مصرف لبنان فوائد شهادات الايداع الصادرة عنه بالدولار الاميركي، والمملوكة من المصارف، ٥٠% بالدولار الاميركي، و٥٠% بالليرة اللبنانية.

٣- تسدد المصارف فوائد ودائع العملاء المفتوحة بالعملات الاجنبية، ٥٠% بعملة الحساب، و٥٠% بالليرة اللبنانية.

٤- تعيين الحد الاقصى للفوائد على ودائع العملاء لدى المصارف، بحيث لا تتجاوز 5% على الودائع بالعملات الاجنبية، و8,5% على الودائع بالليرة اللبنانية.

٥- يجب على المصارف ان تعكس تخفيض الفوائد على الودائع على احتساب معدلات الفوائد المرجعية لسوق بيروت BRR، وهي الفوائد المتعلقة بالاقراض.

٦- يتعلق تعيين الحد الاقصى لمعدلات الفوائد على الودائع التي تتلقاها او تقوم بتجديدها المصارف بعد تاريخ صدور هذا التعميم. وتبقى شروط الودائع قبل صدور هذا التعميم خاضعة لما سبق الاتفاق عليه ولغاية استحقاقها.

٧- مدة تطبيق هذه الاجراءات ستة اشهر من تاريخ صدور التعميم، وهي اجراءات استثنائية.

ثانيا : الهدف من الاجراءات المتخذة
وتهدف هذه الاجراءات الى تحقيق الاهداف التالية:
١- الحد من استنزاف الاحتياطي النقدي لمصرف لبنان من العملات الاجنبية، ولهذا الاحتياطي دور اساسي في المحافظة على قيمة العملة الوطنية التي تتعرض لتدهور متدحرج في قيمتها، واصبح من الملحوظ اثر هذا التعميم على سعر الصرف في السوق الموازي.

٢- تقليص الطلب على العملة الورقية بالدولار الاميركي لدى المصارف من اجل تسديد مستحقات اصحاب الودائع المصرفية من الفوائد، فالمصارف وفقا لهذا التعميم تسدد اقل من نصف قيمة الفوائد بالدولار الاميركي، خصوصا اذا ما احتسبنا ان الضريبة على الفوائد تسدد الى وزارة المالية بالليرة اللبنانية.

٣- تمكين العملاء من الحصول على قيمة الفوائد بالليرة اللبنانية والتي توفر لهم سيولة نقدية لتلبية حاجاتهم، في حين ان سقوف السحب بالدولار الاميركي تحول دون ذلك، ورغم ان قيمتها قد تكون اقل من القيمة التي يمكن الحصول عليها من السوق الموازي اي الصيارفة، لان المصرف سيحتسب قيمة الدولار على اساس سعر الصرف الرسمي، ولهذه الاسباب اعتبر البعض ان اجراءات مصرف لبنان تمثل اقتطاعا مقنعا او ما يسمى “Haircut”.

٤- ان تخفيض الفوائد على الودائع سواء بالليرة او بالدولار، سيؤدي الى تخفيض معدلات الفوائد، وسيكون لذلك اثر كبير على معدلات فوائد سندات الخزينة، مما سيساهم في تخفيض كلفة الدين العام، وبالتالي تقليص حجم العجز في الموازنات العامة.

٥- ان تخفيض الفوائد على الودائع سيؤدي حكما الى تخفيض معدلات الفوائد على التسليف، وبالتالي ستنخفض معدلات الفوائد المرجعية على الاقراض، مما يقلص مخاطر التعثر في سداد القروض، ويشجع لاحقا الاستثمار الداخلي.

ثالثا: الاجراءات الضروري اتخاذها
ولكن تبقى الاجراءات المتخذة محدودة الاثر ان لم تواكب باجراءات اخرى اهمها:
١- تحديد اجراءات واضحة ومحددة تتعلق بالتحويلات الى الخارج، لان الاستمرار في منعها من شأنه ان يقضي على القطاعات التجارية، ويؤدي الى منع استيراد المواد الاساسية التي يحتاج اليها المواطنين.

وفي تجارب دولية مماثلة لم تمنع هذه التحويلات بصورة مطلقة، بل سمحت التحويلات لغايات تجارية او تسوية مدفوعات ضرورية لحاجات الناس.

٢- تنظيم الاجراءات المتعقلة بتعيين الحد الاقصى المسموح السحب منه من الودائع المصرفية المفتوحة بالعملات الاجنبية، وما اذا كانت الودائع بالليرة اللبنانية مشمولة بهذه القيود، وعدم ترك الامر للاستنسابية من قبل المصارف بل العمل على توحيد هذه الاجراءات على مستوى القطاع المصرفي برمته.

٣- ضرورة اصدار تعميم يكون واضحا في تخفيض الفوائد على ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، طالما ان فوائد الودائع المصرفية قد خفضت، وذلك تحقيقا للغاية المرجوة في تخفيض خدمة الدين العام.

* استاذ في الجامعة اللبنانية

ElQarar http://www.elqarar.com

مجلة القرار® للبحوث العلمية المحكّمة
ElQarar® Journal for Refereed Scientific Research

المزيد للمؤلف

ربما يعجبك أيضاً

+ لا توجد تعليقات

أضف لك